ربط العملات الخليجية بالدولار.. مفارقة تاريخية
إن ربط الدولار بالعملات الخليجية يعد مفارقة تاريخية لعدم ملاءمته للاحتياجات والوقائع الاقتصادية الحالية. وأحد أسباب هذا الانتقاد هو التباين الكبير في الدورات التجارية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، والذي تجلت قوته في 2007-2008م. لقد تزامنت التسهيلات النقدية في الولايات المتحدة مع الطفرة التي سببها النفط في الخليج، ودفعت إلى زيادة معدلات التضخم بشكل غير مسبوق. ومع ذلك، فقد كان النقاش مجدياً في تحديد أوجه القصور في سعر الصرف الحالي، أكثر من جدواه في إيجاد البديل المناسب له. في الواقع، ليست هناك سياسة مثالية بطبيعة الحال، لذا ينبغي أن تكون فوائد إسقاط النظام الحالي موزونة بعناية تجاه العواقب التي ستترتب على ذلك. لقد أصبح ربط العملات الخليجية (ماعدا الدينار الكويتي) بالدولار الأمريكي مرتعاً خصباً لمنتقدي السياسة الاقتصادية في الخليج. فقد أبرز التذبذب الملحوظ في أسعار النفط التحدي المتمثل في التعامل مع الآثار المترتبة على اعتماد المنطقة المستمر على النفط ومشتقاته، في ظل الغياب الفعلي لاستقلالية السياسة النفطية. وعلى الرغم من أن عديد من دول الخليج كان لها فعلاً ارتباط بالدولار لعدة عقود، إلا أن النظام الحالي قد أصبح سياسة رسمية في دول الخليج اعتباراً من عام 2003م، كخطوة تمهيدية للعملة النقدية الموحدة المزمع إصدارها. ومع تأخير الوحدة النقدية فقد اكتسب النقاد بعض الاهتمام، رغم أن الجدل لا يزال قائماً حول تلك القرارات المتسرعة.إن سعر الصرف الحالي لا يتوافق مع أساسيات الاقتصاد. وما يبرر ربط الدولار بالعملات هي الصلة الوثيقة بين اقتصادات دول الخليج والدولار الأمريكي. فلقد كان النفط المقوم بالدولار من أهم الصادرات الحصرية في المنطقة وعادةً ما تستثمر العائدات التي يحققها في الأصول المقومة بالدولار. ومع أن هذه المعادلة كانت متدهورة لوقت طويل، إلا أنه لم يحدث تغيير يذكر في النظام الأساسي. وهذا أمر مهم، حيث لا ينبغي أن تبنى الخيارات السياسية طويلة المدى على تقلبات قصيرة المدى مهما بلغت قوتها.
وعادة ما تقوم البلدان بمراجعة أسعار الصرف إما بحثاً عن المصداقية أو لضرورتها في مواجهة ضغوط السوق. وغالباً ما يكون السبب في قرار ربط العملات هو الوصول إلى ثبات اقتصادي من خلال الاحتذاء بنجاحات الآخرين. ومن هنا قررت بعض الدول الأوروبية محاكاة العملات ذات التضخم المنخفض مثل المارك الألماني واليورو، فضلاَ عن ربط الدولار بالكثير من الأسواق الناشئة. ولم يخسر هذا المنطق الأساسي قوته في الخليج، فقد وجدت محاولات صندوق النقد الدولي أخيرا لحساب معدلات التحويل المناسبة لعملات دول الخليج، أن هناك حاجة إلى تعديلات طفيفة لا تتجاوز 5 في المائة لتوازن معدلات التحويل، ومن المتوقع اختلال التوازن أكثر عام 2013م.
أهمية التنوع. إن استقرار سعر الصرف هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصادات الناشئة التي تسعى إلى تعزيز التجارة وجذب الاستثمارات الخارجية. والمهم في هذا الصدد هو دعم الخليج من خلال التشديد على أهمية التنوع الاقتصادي، والحاجة إلى إيجاد نموذج اقتصادي قبل أن تنضب الثروات النفطية. بالتالي، لا يجب فقط إدارة فائض النفط بشكل مناسب، بل يجب توفير الظروف الملائمة للاستثمار في القطاعات غير النفطية، خصوصاً بهدف تعزيز الشركات الخاصة وتنميتها. يعد سعر الصرف بالغ الأهمية بالنسبة للمصدرين والشركات التي تعتمد على الاستيراد. ومع أنهم عرضة للتغير في سعر الدولار، إلا أن الكثير من تجارتهم إما أن تكون مسعرة بالدولار أو أنها تتعامل مع أسواق ترتبط عملاتها ارتباطاً وثيقاُ بالدولار.
سيتطلب التنوع الناجح أيضاُ، استثمارات طويلة المدى في البنية التحتية والتي يحتمل أن تتعرض لتقلبات دورية. ومرةَ أخرى، سيوفر سعر الصرف الثابت قدراً من الاستمرارية أكثر من تلك التي يوفرها السعر العائم. إضافةً إلى تقليل المخاطر التي يواجهها المستثمرون الأجانب، كما يفرض على الحكومة أن تتصرف كقوة داعمة لتثبيت الاستقرار. وسيعكس السعر المرن من كثب تقلبات أسعار النفط، وبالتالي سيعمل على تقليص العجز والفوائض التي تسببها تقلبات أسعار النفط. فبعد إجبارها على إنشاء احتياطيات للنفط خلال فترات ارتفاع الأسعار، اضطرت حكومات المنطقة إلى تبني سياسة رشيدة وخطط طويلة المدى، بما فيها الالتزام التام باستقرار الاقتصاد الكلي. وقد أصبح تنظيمها لفائض النفط خلال فترات الركود الاقتصادي أكثر ثباتاً وفاعليةَ من ذي قبل، على الأقل لأن الحكومة ترى نفسها الآن داعماً للقطاع الخاص لا بديلاً له.
الإدارة الفعلية لسعر الصرف مشروطة بالأسواق المالية الكبرى والعميقة. وتعد دول الخليج ذات اقتصادات واسعة النطاق بمجموع صادراتها ووارداتها السلعية التي تتجاوز إجمالي الناتج المحلي. نتيجة لذلك، فإن لسعر الصرف العائم انعكاسات عميقة على قدرتها التنافسية. فالجهود المبذولة للتعامل مع مثل هذا التذبذب مشروطة بمرونة الأسواق المالية. والتأخر النسبي لهذه الأسواق كان من العوامل الرئيسة التي دفعت الأسواق الناشئة إلى السيطرة على أسعار الصرف. كما أن التحوط من سعر العملة إضافةَ إلى تكبد التكاليف، تطلب الأدوات المناسبة وعمق السوق وعدم وجودها يؤدي إلى مخاطر كبيرة. وفي حين تسبب هذا الربط في اتباع دول الخليج للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن انتقال التغييرات في معدل الفائدة أصبح ضعيفاً، وحقيقةَ فإن هذا الضعف هو أحد أهم الذرائع التي استخدمت ضد الارتباط.