اليابان دليل العودة من الأزمة المالية
قبل عقد مضى، حين كانت اليابان تعاني من الآلام المبرحة لأزمتها المصرفية، وكنت مراسلة صحافية هناك، سمعت عبارة «التخفيف الكمي» للمرة الأولى.
لقد بدت بالفعل فكرة غريبة ولم يكن من المحتمل أن تنتشر خارج نطاق طوكيو. وعلى الرغم من أن بنك اليابان بدأ «التخفيف الكمي» عام 2001، استجابة لأزمة مصرفية، فإن أحداً لم يراوده حلم أن الأنظمة المالية الغربية، بما كانت تبدو عليه من قوة عاتية، يمكن أن تعاني من انهيار مماثل.
هكذا، حين ناقش المسؤولون اليابانيون عام 2006، إمكانية «الخروج» من التخفيف الكمي، لم يبد أن ذلك النقاش يمكن أن يحمل أي مضامين للولايات المتحدة، أو أوروبا.
لم يعد الأمر كذلك. فخلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبينما ترنح العالم الغربي في أزمته المالية الخاصة به، تبنت بنوكه المركزية بعض السياسات النقدية البالغة الارتخاء، بصورة مشابهة لما فعلته اليابان، وإن لم تكن مطابقة.
تمثل أبرز تلك الإجراءات، بعد سحق أسعار الفائدة إلى حد الصفر، في أن البنوك المركزية ضخت السيولة في النظام عبر شراء منتجات مالية، بما في ذلك السندات الحكومية (في المملكة المتحدة) والديون المورقة (في الولايات المتحدة وأوروبا).
لقد «نجحت» هذه السياسات في بعض الجوانب، كونها رسّخت العالم المصرفي، غير أنها نفخت الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، وشوهت القطاع المالي بطرق لا يزال يكاد يتعذر فهمها.
هكذا، فإن البنوك المركزية الغربية في أيامنا هذه تفكر ملياً في الأسئلة ذاتها التي حيّرت اليابانيين منذ أربع سنوات، وبالذات: هل بالإمكان التخلص من سياسات الطوارئ بسلاسة بعد الأزمة المصرفية، أو هل يمكن لشفط السيولة من العالم المالي، بحد ذاته، أن يهدد بتوليد هزات جديدة، واحتمال إطلاق انكماش جديد؟
التجربة التي عاشتها طوكيو محل ترحيب، على الأقل لأن اليابان لم تعد أبداً بالفعل إلى نمو اقتصادي مهزوز في العقد الذي جاء بعد ويلاتها المصرفية.
حين شرعت اليابان للمرة الأولى فيما سُمِيّ «التخفيف الكمي» عام 2001، ضخت مبلغ 25 ألف مليار ين إضافي من السيولة في النظام، من خلال صفقات إعادة شراء تم إبرامها مع البنوك. وعمل ذلك بالفعل على رفع هدف توازنات الحسابات الجارية للبنك من نحو ستة آلاف مليار ين إلى ذروة بلغت 35 ألف مليار ين في الفترة 2004 – 2006.
وبدوره عمل ذلك على انتفاخ الميزانية العمومية لبنك اليابان إلى نسبة مذهلة بلغت 29 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ورفعت احتياطيات البنك إلى نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو نمط مشابه للنمط السائد في الولايات المتحدة حالياً، حيث يبلغ احتياطي البنك المركزي وميزانيتة العمومية للبنك في الوقت الراهن نحو 7 في المائة و15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي.
أخيراً قرر بنك اليابان في آذار(مارس) 2006 إنهاء إجراءاته الطارئة. ولذلك أوقف ، بهدوء، إبرام أي صفقات لإعادة الشراء. ولدى استحقاق الصفقات القائمة، لم يتم استبدالها، الأمر الذي امتص السيولة بالفعل من النظام.
لكن كان هناك تحول حيوي. فقبل عام من محاولة بنك اليابان «الخروج» تعمد إنجاز عدد كبير من صفقات الريبو المختلفة، كانت ذات فترات استحقاق متباينة. وبالتالي، عندما حان أجل الصفقات تبخرت السيولة بسلاسة، بدلاً من أن تختفي من خلال عدد قليل من «الصدمات». ولأن معدل فترات الاستحقاق لصفقات الريبو هذه كان ثلاثة أشهر فقط، فإن معظم السيولة اختفى بحلول منتصف عام 2006.
يستذكر هيروشي ناكاسو، أحد كبار مسؤولي بنك اليابان ذلك قائلا: «ما كنا نفعله كان شبيهاً إلى حد ما بإنزال طائرة. كنا نريد إعادة الأمور إلى طبيعتها بأقصى ما يمكن من السلاسة، مع نزول ثابت ومسيطر عليه».
والواقع أن هذه الاستراتيجية كانت من النجاح فيما يتعلق بالحفاظ على هدوء الأسواق، بحيث أن بنك اليبان شعر بحلول صيف 2006 أن بإمكانه رفع أسعار الفائدة مرة أخرى. وتأمل البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية، بعد أربع سنوات من تلك التجربة أن تقلد ذلك النجاح. غير أن المشكلة في الوقت الراهن هي أن عدداً من البنوك المركزية يحاول الخروج الفوري بما في ذلك، وهنا المفارقة، بنك اليابان نفسه الذي أعاد تطبيق إجراءات طارئة في العام الماضي استجابة للأزمة المالية الجديدة.
إلى ذلك، الموجودات التي تحتفظ بها البنوك المركزية الأوروبية والبنك المركزي الأمريكي أطول بصورة دراماتيكية ـ وأقل مساواة من حيث معدلات السحب منها. وذلك يجعل من الصعب كثيرا إزالة السيولة بطريقة سلسة، أو طبيعية. والواقع أنه إذا أرادت البنوك المركزية الغربية تقليص السيولة، فإنها ربما تكون مرغمة فعلياً على بيع الموجودات، أو حتى زيادة أسعار الفائدة في ظل ميزانيات عمومية منتفخة.
يمكن أن تكون مثل هذه التحركات ممكنة نظرياً، لكن من الناحية العملية ربما يكون من الصعب تطبيقها بسلاسة. وفي الحالتين، تحقيق «هبوط» سلس في الغرب في 2010 يتوقع أن يكون أصعب بكثير مما كان عليه في اليابان في 2006: استعدوا لمزيد من الصدمات في العام المقبل.