ما مدى أمان دولاراتك؟
كان المسؤولون الصينيون ومستثمرو القطاع الخاص في مختلف أنحاء العالم يشعرون بالقلق بوضوح بشأن إذا ما كانت استثماراتهم بالدولار آمنة. ونظراً لاحتفاظ الحكومة الصينية بقسم ضخم من احتياطياتها من العملات الأجنبية التي بلغت قيمتها تريليوني دولار بعملة الدولار، لذا فإن الصين لديها سبب وجيه للتركيز على قيمة الدولار في المستقبل. أما المستثمرون الذين يحتفظون بمبالغ أقل من الدولار، والذين بوسعهم أن يتحولوا إلى عملات أخرى بسهولة أكبر كثيراً من الصينيين، فمن حقهم أن يسألوا أنفسهم إذا ما كان من الواجب عليهم أن ينوعوا أصولهم ويتحولوا إلى أصول غير دولارية ـ أو حتى يتجنبوا الدولار بالكامل.
إن الخوف بشأن مستقبل الدولار ينبع من هموم عدة مختلفة ولكنها مترابطة، فهل تواصل قيمة الدولار انخفاضها الطويل الأجل نسبة إلى العملات الأخرى؟ وهل يؤدي الارتفاع الهائل المتوقع في ديون حكومة الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل وما بعده إلى التضخم أو حتى العجز عن سداد الديون؟ وهل يتسبب النمو الهائل الذي سجله الفائض في احتياطيات البنوك التجارية في التضخم السريع مع تعافي الاقتصاد؟
ولكن في حين أن أسباب القلق كثيرة، فإن خلاصة القول إن هذه المخاوف مبالغ فيها. ولنبدأ بأكثر التطورات السلبية ترجيحاً: هبوط سعر الصرف نسبة إلى العملات الأخرى. فحتى بعد انتعاش الدولار أخيرا نسبة إلى اليورو، فإن قيمة الدولار التجارية الآن أدنى بنسبة 15 في المائة في مقابل سلة واسعة من العملات الكبرى مقارنة بما كانت عليه الحال قبل عقد واحد من الزمان، وأدنى بنسبة 30 في المائة مما كانت عليه قبل 25 عاماً.
ورغم أن نوبات العصبية التي تنتاب الأسواق المالية العالمية من حين إلى آخر تعمل على ارتفاع قيمة الدولار، فأنا أتوقع أن يستمر الدولار في انخفاضه نسبة إلى اليورو، والين الياباني، بل حتى اليوان الصيني. والواقع أن انحدار سعر صرف الدولار أمر ضروري حتى يتقلص العجز التجاري الهائل الذي تعانيه الولايات المتحدة مع بقية العالم.
بالنظر إلى المغزى الذي قد نستقيه من انحدار الدولار نسبة إلى اليوان بالنسبة للصين، وإذا كانت الصين تحتفظ الآن بنحو تريليون دولار في محافظها الاستثمارية الرسمية، فإن ارتفاع سعر صرف اليوان في مقابل الدولار بنسبة 10 في المائة من شأنه أن يخفض من قيمة هذه الاحتياطيات باليوان بنسبة 10 في المائة. وهذه خسارة محاسبية كبيرة، ولكنها لا تغير من قيمة السلع الأمريكية أو الاستثمارات في الأصول الأمريكية التي قد يشتريها الصينيون بالتريليون دولار.
إن الصينيين (أو السعوديين أو الهنود أو غيرهم من خارج منطقة اليورو) لابد أن يشعروا بالقلق بطبيعة الحال إزاء انحدار الدولار نسبة إلى اليورو. وحين يستأنف الدولار مساره المنحدر فإن حيازاتهم من الدولارات ستشتري سلعاً أقل في الأسواق الأوروبية. ورغم أنه من الصعب أن نجزم بحجم هذا الانحدار، فلن يكون من المستغرب أن نشهد هبوطاً بنسبة 20 في المائة على مدى الأعوام المقبلة من مستواه الحالي الذي بلغ 1.4 دولار لليورو.
ولكن الخطر الأكبر بالنسبة لأي مستثمر يتمثل في احتمالات تسبب التضخم في القضاء على قيمة العملة تقريباً. ولقد حدث هذا في عدد من البلدان في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ 20. ففي المكسيك على سبيل المثال، كنت في عام 1990 تشتري بـ 150 بيزو ما كان بوسعك أن تشتريه ببيزو واحد في عام 1980.
لكن هذا لن يحدث في الولايات المتحدة. لقد أدى العجز الضخم في الميزانية إلى ارتفاع مستويات التضخم في البلدان التي اضطرت إلى طباعة النقود لتمويل هذا العجز لأنها لا تستطيع بيع السندات الحكومية الأطول أجلاً. وهذا لا يشكل خطراً بالنسبة للولايات المتحدة. فقد هبط معدل التضخم فعلياً في الولايات المتحدة أثناء أوائل الثمانينيات، حين كانت الولايات المتحدة تعاني عجزا ماليا ضخما.
كان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بِن برنانكي وزملاؤه عازمين على إبقاء معدلات التضخم عند مستوى منخفض مع استعادة الاقتصاد لعافيته. ولقد فسر بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا بأنه يعتزم بيع كمية ضخمة من سندات الرهن العقاري التي يحتفظ بها الآن على دفاتر موازنته، وامتصاص السيولة أثناء هذه العملية. وسيستخدم بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضاً سلطته الجديدة في دفع أقساط الفوائد على الاحتياطيات التي تحتفظ بها البنوك التجارية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل منع الإفراط في الإقراض. وهذا بطبيعة الحال يشكل المهمة العسيرة التي قد يكون إتمامها ضرورياً في الوقت الذي يعارض فيه الكونجرس تشديد السياسة النقدية.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن المستثمرين يستطيعون حماية أنفسهم ضد التضخم في الولايات المتحدة من خلال شراء سندات الخزانة المحمية ضد التضخم، التي تعطي مؤشر أسعار الفائدة والدفعات الرئيسة من أجل معادلة الارتفاع في مستويات أسعار المستهلك، والفارق الضئيل الحالي بين سعر الفائدة الحقيقي على مثل هذه السندات (2.1 في المائة على السندات التي يمتد أمدها 30 عاماً) وسعر الفائدة الاسمي على سندات الخزانة التقليدية التي يمتد أمدها 30 عاماً (4.6 في المائة) يعني ضمناً أن السوق تتوقع معدل تضخم لا يتجاوز 2.5 في المائة على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
إذاً فالنبأ السار هنا هو أن الاستثمارات الدولارية آمنة. ولكن هذا الأمان لا يعني الاستثمار بأعلى عائد مأمون. فإذا كان من المرجح أن تهبط قيمة الدولار في مقابل اليورو على مدى السنوات العديدة المقبلة، فإن الاستثمارات في السندات المقومة باليورو والتي تصدرها الحكومات في ألمانيا أو فرنسا قد توفر عائدات أعلى أماناً، وحتى إذا كان الدولار آمناً تماماً، فمن حسن التصرف أن يعمل المستثمرون على تنويع محافظهم الاستثمارية.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org