أمريكا والإنسانية المُعذبة
تتجرع الإنسانية غُصص العذابات المتوالية والآلام المتلاحقة جراء سيادة أمريكا على العالم وساديتها النهمة نحو القتل والتدمير وإزهاق الأنفس وإسالة الدماء لا سميا الدم المسلم الذي لا بواكي لأهله!
وأصبح حال العالم الإسلامي – وأقولها بكل حرقةٍ وأسى – مع أمريكا أشبه بحال خِرافٍ بائسة اقتحم حظيرتها ذئب مفترس – وربما يأنف الذئب من تشبيهه بأمريكا – بل أشبه بضبع شرس لا يبقي ولا يذر، تهرع هذه الخراف وتضطرب من شدة خوفها في حظيرتها ليس لها من الحول والقوة شيء.
من يَهُنْ يسَهلِ الهوان عليه ما لجرح بميّت إيلام
تأملوا ما تصنع أمريكا في أفغانستان من جرائم القتل والإبادة هي وربيبتها بريطانيا وهي التي بالأمس ينبح رئيسها السابق توني بلير كما كانت تصفه الصحافة البريطانية (كلب بوش) بأنه كان يعلم بعدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وأنه أخفى معلومات مهمة عن أجهزة الاستخبارات، تسعى أمريكا وبريطانيا وتعمدان إلى خلق بؤر صراع متجددة في العالم الإسلامي وهذه سياسة تكاد تكون معلنة من خلال ترسانة عسكرية ضاربة وبأجندة إمبريالية، ترافقها آلة إعلامية تدجن خصومها وتخدرهم.
والمبكي المضحك أن أمريكا تعد نفسها راعية الإنسانية وحامية الحقوق والحريات، وربما ذرت الرماد بالتباكي على قضية هنا وحادثةٍ هناك، من خلال إصدار تقارير وزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجار بالبشر أو تقارير (هيومن رايتس ووتش)!
وانظروا وتأملوا الحروب المستمرة التي تخوضها أمريكا ومن ورائها الغرب في أفغانستان وفي العراق ومن قبلهما فلسطين والصومال! وكيف يقتل العزل والشيوخ والأطفال وتنسف البيوت على رؤوس أهلها!
وهاكم قرائي الأعزاء شيئاً يسيراً من تاريخ الوحشية والصراع الأمريكي ضد الآخر لتعلموا يقيناً أنها ليست أمراً عارضاً أو ردة فعلٍ آنية لما يسمى بحادثة سبتمبر.
يذكر الأستاذ العكش الباحث في علوم الإنسانيات في كتابه (أمريكا والإبادات الجماعية) أن أمريكا قامت على الدماء وبنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان (بينهم 18.5 مليون هندي أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب - ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة! كما يورد الكاتب الأمريكي هنري دوبينز في كتابه (أرقامهم التي هزلت) في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري، و4 بالطاعون، 17 بالحصبة، و10 بالإنفلونزا، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا! ومما يدل على أن الوحشية والسادية أمر متأصل فيهم حتى النخاعة ما تذكره دراسات الباحثين في تاريخ الولايات المتحدة؛ ومأساة الشعب الهندي الأحمر أن (جورج واشنطن) الذي يفتخر به الشعب الأمريكي وتزين صورته الدولار الأمريكي ارتكب جرائم بشعة في حق الإنسانية ففي عام 1779 أصدر أوامره إلى الجنرال (جون سيلفان) بأن يحول بيوت الهنود الحمر إلى مدافن لهم وأن لا يقبل بأي تفاوض معهم، والحقيقة المُغيبة أن مدينة واشنطن بنيت على أنقاض مدينة مسحها الرجل الأبيض من وجه الأرض، وقتل أهلها ودفنهم في مقابر جماعية، هذه المدينة كانت تسمى مدينة (نَكَان شَتَنكة) حيث كانت مركزاً تجارياً لشعب (كونوي) الهنود الحمر.
هذا نموذج من جرائم الغرب وظلمه للأمم والشعوب، وانظروا في المقابل إلى عدل الإسلام في تعامله مع غير المسلمين عبر التاريخ وحسبكم قصة فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإعطائه الأمان والعهد لأهلها،
حكمنا فكان العدل منا سجيةً
ولما حكمتم سال بالدم أبطحُ
فلا عجبٌ هذا التفاوت بيننا
فكل إناء بالذي فيه ينضحُ
وهذا نص عهد أهل بيت المقدس الذي أعطاه لهم عمر بن الخطاب كما أورد الطبري في كتابه: ''تاريخ الأمم والملوك'' ومن هذه المعاهدة: ''بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد اللّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها. إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقض منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد...، وتذكر المصادر التاريخية أن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما وصل بيت المقدس ومعه خادمه وناقةٌ يتناوبان ركوبها لما وصلا مشارف القدس أطل عليهما صفرونيوس وبطارقته وسألوا: من هذان الرجلان؟ فقال المسلمون إنه عمر بن الخطاب وخادمه، فسألوا أيهما عمر، فقيل ذاك الواقف على قدميه، إذ كان خادمه ممتطيا الناقة، فذهلوا بهذا لأنه مذكور في كتبهم. هذا أنموذج من عدل ورحمة الإسلام بالبشرية التي عانت الويلات بسبب ضعفنا وهواننا حين استبد الظالمُ المتجبرُ.