صحافتنا بين الشفافية و«حوار الطرشان»

مما يحسب للملك عبد الله بن عبد العزيز- وفقه الله - ويسجل في تاريخه أنه صاحب رؤية فتح أبواب الحوار والنقاش وإرساء مبدأ الشفافية, بل قيامه - حفظه الله - بتبنيها واقعا وممارسة من خلال رعايته الشخصية واهتمامه المباشر بمشروع الحوار الوطني الذي رسخ بإنشاء مركز مستقل يعنى به, وما أعطى هذه الرؤية زخما كبيرا أن التجاوب العام معها وعلى المستويات والأصعدة كافة كان إيجابيا, ما أوجد حراكا غير مسبوق بانطلاق الأفكار والآراء من الغرف المغلقة بكل سلبياتها, إلى الفضاء المفتوح بلا قيود لتثري ساحتنا بالرأي والرأي الآخر, وهو ما أكد أن مجتمعنا العربي السعودي ثري بالرأي والفكر المتعدد, والتعدد هنا شرط من شروط الإيجابية والفاعلية لأي حوار ضمن أطر الموضوعية الملتزمة بمصلحة وطنية جامعة ورابطة.
لقد كان التجاوب مع رؤية الملك - حفظه الله - واسعا وملموسا بل حماسيا من المستويات كافة وعلى الصعد كافة من مختلف الرؤى. وأستطيع الزعم وبتجرد تام أنه يأتي في مقدمة من تجاوب مع رؤيته - وفقه الله - إعلامنا ومنه تحديدا المقروء, فصحافتنا من خلال متابعاتها الصحافية وأطروحات كتابها عموما كانت أبرز من تجاوب مع تلك الرؤية, ما اعتبر قياسا بزمن سابق جريئا, بينما هي في واقع الأمر حالة صحية وطبيعية تتماشى مع حركة تطور المجتمع ومتفاعلة مع تجدد فكره وحيويته, خصوصا مع هذا الانفتاح الإعلامي الفضائي الذي كسر حدود المنع وفتح أبواب العالم أمام المعلومة والخبر والرأي, ولهذا فقد تصدت صحافتنا وبمسؤولية لتسليط الأضواء على كل أوجه القصور, ونقل صور حقيقية وواقعية لمعاناة الناس من دون رتوش أو إخفاء لحجمها, وفتحت صفحاتها للنقد لكل أداء قاصر وترد للخدمات, وتقديم رؤى تشخص المشكلات وتقترح لها الحلول كالبطالة والسكن والتعليم والصحة وكل مناشط المسؤوليات المتعددة, ومتابعة حية وواقعية لكل الأحداث السلبية, وخير شاهد على ذلك كارثة سيول جدة التي لعبت فيها الصحافة دورا إيجابيا في كشف حجم المأساة والقصور والإهمال والتهاون, وما زالت تتابع تداعياتها حتى اليوم.
كل هذا الكلام والعرض جميل وجيد, إلا أن السؤال يبقى: أين يذهب كل هذا الطرح والنقد والمتابعة؟ وإلى ماذا يفضي؟
الملاحظة السلبية على الجانب الآخر هي أن كل ما تطرحه صحافتنا من رأي ونقد وعرض للقصور والإهمال, يبقى - بكل أسف - مجرد «كلام جرائد» حسب المفهوم العام الذي أصبح مثلا يضرب بعدم قيمة الشيء ووزنه, وهذا ما لا نريده لهذا الدور الإيجابي لصحافتنا على وجه الخصوص, لا نريد لها وهي تتحرك في إطار رؤية الملك وتتفاعل معها, أن تصبح مجرد منبر للكلام والشكوى وكفى, فالترابط والتكامل مفترض بين دور الصحافة في كونها مرآة للناس وللرأي العام, وتعكس همومهم وشجونهم للمسؤولين وللدولة كما هو واقعها, وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية, فصحافتنا اليوم ومن خلال ما تطرحه في تقاريرها وتحقيقاتها ومتابعاتها الصحافية, وما يبديه الكتاب من نقد ورأي, لا نجد له الصدى الموازي على الجانب الآخر, أي السلطتين التشريعية والتنفيذية, فكم طرحت قضايا مهمة وكتب رأي جيد حول مسألة عامة, وعرض لحالة قصور وترد لخدمات, أو نقد صريح لأداء وجهة ما, وذهب كله وبكل أسف أدراج الرياح دون أن نجد له صدى أو متابعة من جهة ما تعنى وتكون مسؤولة ولها حق المتابعة والمساءلة.
حقيقة مع هذا العطاء الإعلامي والصحافي الرائع, وبدء تقديم الصحافة نفسها كسلطة رابعة متكاملة مع السلطات الأخرى, وتمارس دورا رقابيا وكاشفا تعين فيه صانع القرار بحيث أصبحت تمثل قلقا مزعجا لكل مسؤول يعتري أداءه القصور من جهة, وهذا الغياب لسلطة تملك المساءلة والمتابعة, وتعنى بما تطرحه الصحافة من جهة أخرى, نكون نمر بحالة «حوار طرشان», الصحافة والأقلام فيها تكتب وتنشر وتنتقد بحرية مسؤولة أو منضبطة.
ولهذا نسأل: لماذا لا يتبنى مثلا أعضاء في مجلس الشورى بعض القضايا المهمة التي تطرحها الصحافة وتحولها إلى قضية مساءلة في المجلس؟ وأين هيئة الرقابة والتحقيق من ذلك؟
أعرف مسبقا أن هناك صلاحيات ولوائح وأنظمة تحدد عملها ومهامها, وهو ما يجب ألا يقف حجر عثرة في وجه ترجمة رؤية الملك- حفظه الله - في الشفافية والحوار والنقاش لتكون متكاملة في الفعل ورد الفعل ضمن إطار مؤسسي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي