أردوغان .. وجائزة الملك الفيصل
شهدت العاصمة الرياض في الأيام القليلة الماضية عدداً من الفعاليات الثقافية تؤكد الحضور المؤثر والفاعل لهذه المدينة في خريطة الثقافة العربية بل العالمية، أبرزها معرض الرياض الدولي للكتاب، وجائزة الملك فيصل العالمية الـ 32، وإن كانت المناسبة الأولى جديرة بالكتابة والتناول إلا أن الثانية تستحق بامتياز الإشادة والاعتزاز، وسأقف هنا عند تكريم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وفوزه بجائزة خدمة الإسلام، فنعم المُكرِم والمُكرَم ومجال التكريم، ولعلي أشير إلى مدى غبطة الكاتب عندما تصدق تنبؤاته حول قضية معينة أو شخصية ما، وبالتأكيد ليس ذلك لشخصية الكاتب إنما للهاجس والرسالة التي يحملها تجاه مجتمعه، وقد كتبت مقالاً بعنوان ''أردوغان .. هل يكون عبد الحميد الثالث؟'' وذلك قبل موقف أردوغان في منتدى دافوس بعشرة أيام، فلما زأر الأسد وزمجر بغضبته العُمرية تجاه شمعون بيريز، قلت لمن حولي, لا سيما أستاذي البروفيسور التركي مقداد يالجن، لقد صدق حدسي، ألم أقل لكم إنه عبد الحميد الثالث، ثم جاءت هذه الجائزة العالمية التي حسبها فخراً اسم الفيصل - رحمه الله.
ولعلي في هذه العجالة أذكر شيئاً من مواقف وحياة أردوغان وأرى ذلك واجباً ولزاماً علي. ولد رجب طيب أردوغان في 1954 في إستانبول, وهو من مدينة ريزة على البحر الأسود، قُتل جده من قبل الأرمن أيام الدولة العثمانية، الأرمن التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية دفعهم إلى مطالبة تركيا بالاعتذار عما سموه مذابح الدولة العثمانية لهم، وحسبكم في حقيقة مذابح الأرمن إبان العربية العالمية الأولى كتاب ''الطرد والإبادة'' لمؤلفه جستن مكارثي ونقله شهادة النقيب إموري نيلز Emory Noles، وآرثر سذرلاند Arthur Sutherland في بيان حقيقة هذه المذبحة المزعومة!
نعود إلى رجب طيب أردوغان فقد تخرج في مدرسة قاسم باشا بيالة عام 1965، ومن مدرسة الأئمة والخطباء في 1973، ودرس البكالوريس في جامعة مرمرة في إستانبول في كلية الاقتصاد، وانخرط في الأعمال السياسية منذ نعومة أظفاره, ويرجع بعضهم بدايته إلى 1965، وتميز أردوغان في أيام دراسته في الابتدائية بقدرته على التوجيه والسيطرة والقيادة، ومن الغرائب أن صورته في قائمة طلاب الفصل في المرحلة الابتدائية تقع في أعلى الصورة التي رتبت على شكل مصباح (لمبة)، وهي شعار حزب العدالة والتنمية الآن.
عُرف أردوغان بشغفه بكرة القدم، كما عرف بتدينه وكان يطلق عليه من قبل أعضاء فريقه الشيخ أو الإمام طيب، كما أنه كان يأبى المشاركة في احتفالات فوز الفريق الذي يلعب فيه إذا كان هناك خمر في الاحتفال.
عندما انتخب أردوغان عميدا لمدينة إستانبول افتتح أول جلسة له بقراءة الفاتحة، وكانت إستانبول تعاني أزمة المياه فقام بالخروج للاستسقاء, ما أثار حفيظة الصحف العلمانية! لكن هطل الأمطار في تلك السنة بغزارة كان رداً إلهياً على هذه الصحف.
من الإصلاحات التي قام بها أردوغان في المجال الاجتماعي منع دور البغاء والدعارة وتقديم حلول جذرية لهذه الظاهرة بتوفير عمل شريف لهذه الفئة، كما قام بمنع بيع الخمر في المرافق السياحية التي تديرها بلدية إستانبول.
كان أردوغان من الذين يدعون إلى تطوير حزب الرفاه الإسلامي، وكان ذلك من أهم أسباب انشقاقه عن أربكان.
بعد توليه رئاسة الوزراء قام أردوغان بإصلاحات كبيرة في تركيا، وشن هجوما عنيفا على الفساد الإداري والمالي، وقد كان للتعليم نصيب في اهتمام أردوغان, فقد كان عدد الجامعات عندما وصل إلى رئاسة الوزراء 70 جامعة وخلال سبع سنوات بلغ عدد الجامعات 140 جامعة. ولعل نظرة سريعة إلى لغة الأرقام في سجل أردوغان الإصلاحي تبين بكل وضوح حجم العمل ومدى نجاح الرجل في مشروعه الإصلاحي ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
كان ناتج الدخل القومي لتركيا عام 2002 قرابة 230 مليار دولار وبلغ عام 2007 أكثر من 800 مليار دولار، كان معدل الدخل للفرد التركي عام 2002 ، 3500 دولار وبلغ أكثر من عشرة آلاف دولار عام 2008، كما انخفضت ديون تركيا لمؤسسة النقد الدولي من 23 مليار دولار عام 2002 إلى ثمانية مليارات دولار عام 2008، وفي المقابل ارتفعت صادرات تركيا من 36 مليار دولار إلى 132 مليار دولار عام 2008.