هل اقتربت عودة الجولان إلى سورية؟

في عام 1967 خسرت سورية الجولان بعد حرب حزيران (يونيو) التي خسرها العرب. ومنذ ذلك التاريخ وهي تقبع تحت براثن الاحتلال الإسرائيلي. ولأسباب إعلامية عربية وإسرائيلية قل الحديث عن الجولان وبلغة السياسة دخلت إلى المجمد Freezer.
ولكن الشهور الأخيرة شهدت تطورات عدة تفيد بأن ثمة حراكا على وشك أن ينطلق. فقد أفاد زوار أوروبيون بأن عروض إسرائيل عليهم للاستثمار في الجولان باءت بالفشل، وهم واثقون من عودتها إلى سورية، فلماذا الاتفاق مع الطرف الخطأ؟
وسربت إسرائيل مرارا أخبارا حول استعدادها للتنازل عن أجزاء كبيرة من الجولان مقابل تنازلات سورية. وكان من المستحيل أن يغامر سياسي إسرائيلي ويدلي بتصريحات عن التنازل عن الجولان.
ومنذ بضعة أسابيع، صرح وليد المُعلم وزير خارجية سورية لوفد بريطاني سياسي بأن عودة الجولان شرط أساسي لإتمام السلام مع إسرائيل، وقال إن كل بوصة من الجولان من حق سورية لأن الأرض مقدسة بالنسبة لنا وهي تمثل شرفنا. وأضاف أن سورية على استعداد للتفاوض والتطبيع وقدم ملخصا لسيناريو المصالحة يتمثل في أنه في توقيت الانسحاب نفسه، سيبدأ التطبيع، وعندما يتم تسليم نصف الجولان إلى سورية يتم الإعلان عن إنهاء حالة الحرب والعداء، وبعد تسليم ثلاثة أرباع الجولان يتم إنشاء قسم لرعاية المصالح الإسرائيلية في السفارة الأمريكية في دمشق وعندما تتسلم سورية الجولان بأكملها يتم تبادل السفارات بين دمشق وتل أبيب. أما القضايا التي توليها إسرائيل الأولوية القصوى فهي علاقة سورية بإيران وحزب الله وحماس، وهذه – في رأي المُعلم – ستتم مناقشتها بعد الانسحاب الكامل.
والحق يُقال إن الإسرائيليين كانوا يعتبرون الجولان ورقة قوية في أيديهم لا يقابلها شيء لدى السوريين، ولكن تعمق العلاقات السورية – الإيرانية مع تباعدها عن مصر التي سارت أشواطا في التطبيع، إضافة إلى عدم إخفاء علاقتها بحزب الله وحماس، جعل إسرائيل تهرع إلى سورية، لأنها تريد أن تدق إسفينا في علاقات سورية بالخصوم الثلاثة (إيران – حماس – حزب الله)، وتدمر التحالف الذي يسبب لها صداعا داخليا متمثلا في حماس وعلى حدودها اللبنانية متمثلا في حزب الله وعلى صعيد المنطقة والذي تمثله إيران. أي أن سورية أصبح لها بفضل سياساتها المعاندة أوراقا جديدة لفتح باب المفاوضات وتقديم التنازلات. ومن الجانب الإسرائيلي يرى الرافضون لتسليم الجولان لسورية أن فترة من بناء الثقة مطلوبة بين الطرفين ولذلك يطالب هؤلاء بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء مقابل انسحاب جزئي بدلا من توقيع اتفاقية سلام كاملة تنص على الانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
وكانت سورية في محاولات سابقة ومفاوضات مع إسرائيل قد وافقت على خطة يتم فيها الانسحاب المرحلي من الجولان على مدى عامين ونصف. وكان جوهر الموقف السوري الذي قدمه الوسيط التركي لإسرائيل يعتمد على ذلك. ولكن عدم ثقة سورية في إسرائيل جعلها تقرن التطبيع بالانسحاب، بل نلمح أن التطبيع لا يحمل اللهجة الحماسية نفسها التي تعطيها سورية للانسحاب عندما يذكر المُعلم فقط الجانب المتعلق بإنشاء علاقات دبلوماسية ويتجاهل ما يريد الإسرائيليون سماعه، وهو المزيد من التفاصيل حول التطبيع.
أما ذكر إيران وحزب الله وحماس في ختام مقترحاته فهو غاية ما يقلق إسرائيل، لأن الدافع الأكبر والحافز الجوهري لإسرائيل هو هدم جدار التحالف الإسلامي الشيعي – السني الذي يكونه الرباعي (سورية – إيران – حماس – حزب الله). ذلك أن المُعلم يقترح أن يتم الحديث عن هذه الأمور بعد توقيع الاتفاقية وإقرار السلام والتطبيع، وهو بذلك يتجاهل أهم تطور حدث لدى الجانب الإسرائيلي وهو إنهاء المحور الرباعي (سورية – إيران – حماس – حزب الله)، حيث تبقى سورية بمفردها، كما حدث عندما تم عزل مصر عن أية قضايا خارج نطاق ما يمس الأرض والخصوصيات المصرية. وهنا يقول المراقبون إن إسرائيل لن تقدم على مفاوضات ما لم تضمن تقديم سورية لهذا التنازل صراحة.
ونذكر أنه أثناء دخول مصر مفاوضات السلام مع إسرائيل، أن السيول الإعلامية الإسرائيلية والمصرية كانت تسخر من تقاعس السوريين عن إعلان أن الزمن ليس في صالح سورية باعتبارها الطرف الأضعف، ولكن الأيام أثبتت أن الزمن لعب لصالح سورية، فهي رغم الضغوط الاقتصادية في وضع اقتصادي متماسك ولديها اكتفاء في جميع سلعها الغذائية، بل دخلت ميدان التصدير بثقة، أي أن الزمن لعب في صالحها خاصة عندما دخلت في تحالفات تقلق إسرائيل، التي ينبغي أن تقلق لتتحرك. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالموقف القادم لدى سورية وإسرائيل، لأنه ينطوي على قرارات خطيرة، وخاصة أن ضغوط أمريكا على سورية لم تتوقف ولم تحدث التأثيرات التي توقعتها واشنطن وتل أبيب. وقصارى القول إن سورية تود الدخول في مفاوضات سلام تحقق لها ما تعلنه دائما على الأجانب الذين يزورونها، سلام يعيد لها الجولان ويجعلها لاعبة أساسية في القضية الفلسطينية.
ومما يعطي قيمة لتصريحات وزير الخارجية السوري فضلا عن دهائه وكياسته أنه يتمتع بخبرة تفاوضية في جميع المراحل التي سبقت، سواء على صعيد المحادثات العلنية أو اللقاءات مع الوسطاء أو مع الإسرائيليين. وهو يعرف الملف عن ظهر قلب، على عكس الدبلوماسيين الإسرائيليين الذين يتغيرون بتغير الحكومات، وليس لديهم القدرة أو الخبرة على استيعاب جميع الخطوات ونقاط التعثر كما عرفها وليد المُعلم. وهناك إجماع عن قرب انفراج أكبر أزمات حرب حزيران (يونيو)، وهي الجولان لأن التوقيت والمصالح المشتركة للطرفين قد التقت على ضرورة حل المشكلة، ومن هنا نتوقع انفراجا قريبا على هذه الجبهة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي