كيف ننقذ اليورو؟
إن الاتحاد الأوروبي يعيش الآن لحظة جوهرية في تاريخه. كان مؤسسو الاتحاد الاقتصادي والنقدي قد حذروا حتى قبل ميلاد اليورو من أن الإسراف المالي يشكل تهديداً لاستقرار العملة الموحدة. ورغم ذلك أصرت بلدان منطقة اليورو على الحفاظ على سيادتها الكاملة في هذا المجال.
كان من المفترض أن توفر معاهدة الاستقرار والنمو الحل لهذه المعضلة، بالعمل بالترادف مع ما أطلق عليه فقرة ''لا إنقاذ'' في معاهدة ماستريخت. وكان الهدف من الأخيرة فرض الانضباط على السوق، والمطلوب من الأولى الحفاظ على استقرار الموارد المالية العامة من خلال فرض حدود صارمة على حجم العجز في الميزانيات الوطنية.
ولكن كلاً من المعاهدتين أثبتت عقمها وعدم جدواها. فمن الواضح أن معاهدة الاستقرار والنمو لم تمنع العجز ''المفرط''، كما فشلت فقرة عدم الإنقاذ في اجتياز أول اختبار لها حين أعلن قادة أوروبا رسمياً في 11 من شباط (فبراير)، في مواجهة الأزمة اليونانية، أن أعضاء منطقة اليورو ''سيتخذون إجراءات حازمة ومنسقة، إذا لزم الأمر، من أجل صيانة الاستقرار المالي في منطقة اليورو ككل''.
والواقع أن الفشل في فرض الانضباط على السوق عن طريق فقرة عدم الإنقاذ كان متوقعا: ففي الأزمات الشاملة، يكاد الاهتمام المباشر بصيانة استقرار السوق يتفوق دوماً على الرغبة في منع المخاطر الأخلاقية التي قد تترتب على إنقاذ المدينين المتهورين. ولكن في أيلول (سبتمبر) 2008 رأت حكومة الولايات المتحدة رأياً مخالفاً، فسمحت بإفلاس ليمان براذرز في محاولة لفرض النظام. ولقد أوضحت الكارثة التي أعقبت ذلك حجم الضرر الذي قد ينتج عن فشل خارج عن نطاق السيطرة.
ورغم ذلك فإن الدرس الذي يتعين علينا أن نستوعبه هنا لا ينبغي أن يكون ضرورة تجنب الفشل بأي ثمن: إذا طبقنا هذا على حالة اليونان، فسيعني هذا أن الضغوط التي تُمارَس على الحكومة اليونانية لحملها على تقويم أدائها ستذهب أدراج الرياح. والبديل هنا يتلخص في التفكير المسبق والإعداد لمواجهة الفشل!
إن الحجة الأقوى لدى المدين تتلخص دوماً في أن الدائنين لا يمكنهم تصور العجز عن سداد الديون، وذلك لأن العجز عن السداد من شأنه أن يسقط النظام المالي بالكامل. ولكن انضباط السوق لن يتحقق إلا إذا كان العجز عن السداد يشكل احتمالاً حقيقيا. ولهذا السبب كان من المهم أن نبتكر الآلية اللازمة لاحتواء التكاليف ـ وبالتالي الحد من الاضطرابات المحتمة ـ الناتجة عن العجز عن سداد الديون.
وهذا هو الهدف الرئيس من إنشاء صندوق النقد الأوروبي EMF الذي اقترحته أنا وتوماس ماير، والذي طُرِح على طاولة الاتحاد الأوروبي للمناقشة بواسطة وزير المالية الألماني ولفجانج شوبل وآخرين. ويستطيع صندوق النقد الأوروبي (أو كما أطلق عليه البعض صندوق الاستقرار الأوروبي) أن يدير العجز عن السداد النظامي من جانب أي بلد من بلدان الاتحاد الاقتصادي والنقدي يفشل في الالتزام بالشروط المرفقة ببرنامج التكيف والتعديل.
ونحن نتصور آلية بسيطة، على غرار التجربة الناجحة مع سندات برادي، وهي السندات التي أصدرتها بلدان أمريكا اللاتينية المتعثرة في أوائل التسعينيات باعتبارها جزءاً من الترتيبات الخاصة بإعادة جدولة ديونها الدولية. ولقد عملت سندات حكومة الولايات المتحدة بمثابة الضمان لسندات برادي.
ولاتقاء التأثيرات الشاملة الناجمة عن العجز عن سداد الديون فبوسع صندوق النقد الأوروبي أن يعرض على حاملي ديون البلدان المتعثرة استبدال هذا الدين في مقابل مطالبات مستحقة على صندوق النقد الأوروبي. وبطبيعة الحال سيكون حاملو الدين ملزمين بقبول خصم موحد لما يستحق لهم من الدين.
وهذا من شأنه أن يعمل كمقياس رئيسي للحد من الاختلال الناجم عن العجز عن سداد الديون. فالعجز عن السداد يؤدي إلى تأثيرات تنتشر عبر النظام المالي، وذلك لأن كل أدوات الدين لدى الدولة العاجزة عن سداد ديونها تصبح بلا قيمة وغير سائلة. ولكن مع التبادل على غرار سندات برادي، فإن خسائر المؤسسات المالية ستكون محدودة (ومن الممكن السيطرة عليها من خلال اختيار الخصم الممنوح للدائنين).
وفي نظير عرض التبادل في مقابل الخصم، فإن صندوق النقد الأوروبي سيكتسب المطالبات المستحقة على البلد المتخلف عن سداد ديونه، والذي يمكنه بالتالي الحصول على أي أرصدة مالية إضافية من صندوق النقد الأوروبي لأغراض محددة بموافقة الصندوق.
وسيتولى صندوق النقد الأوروبي أيضاً توزيع مدفوعات التحويل الأخرى لدى الاتحاد الأوروبي تحت رقابة صارمة، أو قد تستخدم هذه المدفوعات لتسديد الديون المستحقة لصندوق النقد الأوروبي على البلد المتعثر. وبالتالي فسيكون بوسع صندوق النقد الأوروبي تقديم إطار عمل للإفلاس السيادي أشبه بالإجراءات المتبعة في الولايات المتحدة في التعامل مع الشركات المفلسة المؤهلة لإعادة الهيكلة.
ولكن كيف يستطيع صندوق النقد الأوروبي تمويل تدخلاته؟ نحن نقترح إنشاء صندوق تأمين مشترك حيث تتناسب الاشتراكات مع حجم المجازفة التي يمثلها كل بلد عضو. ومن الناحية النموذجية، لابد أن يكون تحديد الاشتراكات مستنداً إلى مؤشرات السوق الخاصة بمجازفة العجز عن سداد الدين. ولكن مجرد وجود صندوق النقد الأوروبي من شأنه أن يشوه الفوارق في أسعار وثائق مقايضة العجز عن سداد الائتمان والفروق في العائد بين بلدان صندوق النقد الأوروبي.
لذا فنحن نقترح أن يتم تحديد الاشتراكات في صندوق النقد الأوروبي استناداً إلى مستويات العجز المالي والدين العام لدى البلدان الأعضاء، وذلك لأن كلاً من العجز والدين يمثل علامات التحذير من مخاطر الافتقار إلى السيولة أو التخلف عن سداد الديون. ومن الممكن أن يعمل صندوق النقد الأوروبي على تحصيل ضريبة تتناسب مع أي عجز مالي يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو دين عام يتجاوز 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ـ وهذان هما السقفان اللذان فرضتهما معاهدة الاستقرار والنمو. وستشكل هذه الضريبة نوعاً من الغرامة التلقائية، الأمر الذي يجعل الهيكل الواضح للمعاهدة زائداً عن الحاجة.
وهذان العنصران البسيطان - العجز النظامي عن السداد وآليات التمويل - قادران على حل الأزمة الحالية التي تواجهها منطقة اليورو: فمن خلال إنشاء صندوق النقد الأوروبي بما يتماشى مع هذه الخطوط، ستحصل منطقة اليورو على مؤسسة قادرة على دعم البلدان الأعضاء في أوقات الأزمات، ولكن هذا من شأنه أيضاً أن يضمن عمل آليات انضباط السوق على النحو الأمثل.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org