أسابيع المرور .. من يتعظ؟
جميل وجيد ومهم أن نهتم بقضية و«حكاية» المرور كونه بات جزءا من حياتنا اليومية، فمن خلاله نتنقل في مدن أصبحت طرقها مثل شبكة العنكبوت، ونقطع الفيافي والبراري بطرق سريعة، ولكنه في نفس الوقت قد يكون سببا في المآسي والأحزان حين يوصلنا مشوار قصير إلى العالم الآخر في طرفة عين بسبب غلطة متهور أرعن.
كون المرور مشتركا جمعيا، لم يترك في مجتمعات تحرص على حياة الإنسان وأمنه المروري يمارس بفردية ونزق أناني، بل قيد بأنظمة وقوانين صارمة حازمة، فمرورهم بات أحد مظاهر التقدم الحضاري والتطور الثقافي، فترى شوارعهم وطرقهم مثل رقاص الساعة نظامية ودقة مرورية، لا يأتيك من الخلف مثلا مستعجل كي يغتصب منك حقك في الطريق، كما يحدث عند إشاراتنا المرورية، ولا يهز أعصابك ويخض «مصارينك» من يمرق كالسهم ويسقط عليك في طرقنا السريعة، فهناك حرمة صارمة للطريق ومستخدميه.
على خلفية هذه الأهمية للمرور، دأبت دولنا الخليجية على إطلاق أسبوع سنوي تهدف منه ضخ جملة توعية ترمي لخلق وعي ثقافي في كيفية السلوك المتحضر في استخدام الطريق، وتجنب ما قد تؤدي إليه أخطاء صغيرة من فواجع كبيرة، فجاء أسبوع المرور الخليجي السادس والعشرين هذا العام، وكم أتمنى لو قمنا بعملية تقييم لفاعلية ونتائج هذه الأسابيع، بشعار لفت النظر وهو «احذر أخطاء الآخرين»، ولم أفهم المعنى من هذا الشعار، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو أن هذا الشعار يسلم بوجود أخطاء في قيادة الآخرين، وعلى عباد الله الآمنين أن يتفرغوا لأخذ الحيطة والحذر منها، وارتكاب الأخطاء يعني مخالفة أنظمة المرور، فلماذا لا تحمي الآخرين من هذه الأخطاء بتطبيق صارم وحازم للعقوبات على من يرتكبها بدلا من إبراء الذمة بالمطالبة فقط بالحذر منها ..؟
إن رفع مثل هذا الشعار يعني بصريح العبارة موقفا سلبيا من التجاوزات على أنظمة المرور، والقول لمن يهوى ممارستها افعل ولا حرج، والتوجه للضحية المفترض لأخذ الحذر والباقي على الله .. !! ومثل هذه الليونة في حماية أمن الطريق من العابثين به هو ما أفرز لنا نوعية تمارس عبثا طفوليا من خلال الترويع بقيادتهم المفرطة في السرعة والتجاوز الأرعن للآخرين، كما يفعل البعض من خارج الخطوط الصفراء، والسقوط المفاجئ على المسارات وغير ذلك كثير، وللحق نقول إن مثل هذا الشعار يصلح لبعض دول الخليج المطبقة بشدة لأنظمة المرور، والتي لا ترى فيها عبثا كما هو واقع عندنا، ولا يصلح لحالتنا حيث الأمر يستوجب ردعا وحزما وعدم تهاون، ومن ثم يمكن مطالبة الآخرين بالحذر من أخطاء عفوية، وليس منها بالتأكيد السرعة وقطع الإشارة والسقوط والتجاوز الأرعن.
كم نحن في حاجة ليس لأسبوع بل لأسابيع متواصلة يكون شعارها المطبق فعلا هو «احذر المخالفة فالعقوبة جاهزة»، وذلك من أجل وقف نزيف الدم والخسائر المادية بسبب الحوادث الناتجة من مخالفات الرعونة والطيش، ويأتي على رأسها السرعة وقطع الإشارة كما جاء في دراسة صادرة عن اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، أعدها المقدم الدكتور علي بن ضبيان الرشيدي، والحوادث المرورية أودت في العامين الأخيرين بحياة 12600 إنسان، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية لتصنيف المملكة صاحبة الرقم الأعلى في معدل الوفيات بأكثر من 49 حالة لكل 100 ألف نسمة (عكاظ 2/4/1431هـ).
عندما تشير الدراسات إلى أن المخالفات الأكثر تسببا في الحوادث المرورية هي السرعة وقطع الإشارة، فهي مؤشر على عدم فاعلية العقوبات الحالية وآلية تطبيقها، مما يعني الحاجة لإعادة النظر في حجم ونوع العقوبات، خصوصا لمن يمارس ترويعا عن طريق سرعة مفرطة أو استهتار بقطع إشارة حمراء، وهي المخالفات الأكثر شيوعا وتسببا في الحوادث المرورية.
دون شك الحوادث المرورية هي إحدى ضرائب التطور في قطاع النقل، فلم نقرأ في كتب التراث أن هناك من قضى نحبه نتيجة تصادم حمار مع جمل أو حصان، بينما الإحصائيات منذ انتشار السيارات ترصد آلاف القتلى والمصابين بسبب الحوادث المرورية، وتعكس الإحصائيات فواجع يومية في دول كثيرة فيها المرور «سداح مداح»، ولكن يمكن الحد منها، وهذا لا يأتي فقط من خلال شعارات التوعية، فالشعارات مهما كانت بليغة ومؤثرة، فالتجربة أثبتت أنها لم تعد فعالة، وهنا يبرز سؤال وهو: إلى متى نوعي والطرق تستنزفنا أرواحا وخسائر مادية ..؟ أتصور أنه حانت اللحظة التي نحمل فيها مسؤولية أمن الطرق لمستخدميها بتطبيق العقوبات الفورية، مع ملاحظة أن بعضها يحتاج إلى تغليظ لكارثية بعض المخالفات.