التغيير يحتاج للتغير
الحياة الإنسانية حياة تعيش على قدرة المجتمعات على التغيير للتطوير, ولهذا فإن المجتمعات وفقاً لذلك تختلف قدرتها على التغيير، وهنا تبرز الفروقات الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس بشكل مباشر على الدول ثم على تصنيفها العالمي, فنقول هذا مجتمع متقدم أو متطور وهذا مجتمع متخلف أو متقهقر, وتعد الاستجابة الاجتماعية للتطوير نحو الأفضل مطلبا أساسيا لتقدم وتطور عمل المؤسسات العامة والخاصة والاجتماعية أو ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني.
المؤسسة الحكومية مثلا لتحقق التطور لا بد أن تجد الدافع والمحفز من المجتمع لأنه صاحب السلطة الأعلى والأقوى عليها للتغيير إلى الأفضل، فعندما يكون المجتمع بجميع أفراده واعيا ومدركا أهمية التطوير يصبح ذلك فرضا وواجبا على جميع المؤسسات الحكومية لتحقيق ذلك، لأسباب عديدة، منها أن العاملين فيها هم جزء من المجتمع, والسبب الآخر أن المجتمع من غير العاملين في المؤسسات الحكومية يضغط على تلك المؤسسات لتطوير إداراتها وأسلوب عملها، ويكون أفراد المجتمع المراقب الحقيقي للأداء وحماية المصلحة العامة.
عندما يكون المجتمع رافضا للتغيير تكون الضريبة عالية عليه وعلى الأجيال اللاحقة له, وهنا تتراكم الأخطاء والتجاوزات وتتحول إلى ثقافة مجتمعية تقتات وتعيش على الفساد ومخالفة الأنظمة والاستهتار بحقوق الآخرين وأرواحهم, والنتيجة الطبيعية في هذه الحالة انتقال المجتمع إلى ما يسمى نظام الغابة, وتتحول مختلف مؤسساته إلى مؤسسات شللية أقرب ما تكون إلى نظام العصابات المنظمة بحيث يصعب بعد ذلك العلاج بسبب تداخل المصالح وصعوبة التطوير أو حتى التغيير البسيط.
المرحلتان الحالية والمقبلة في المملكة مرحلتان تنمويتان حرجتان تحتاجان إلى إعادة تقييم التجربة, خصوصاً ما يتعلق بتطوير وتغيير أسلوب ومنهج العمل في مختلف قطاعات الدولة وتطوير أدوات وآليات المتابعة والمراقبة والتقويم والتطوير بما يحقق الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة تحت منظومة تطوير الأنظمة والإجراءات وأسلوب العمل.
التمسك بالتقليدية, خصوصاً التي أسميها التقليدية البغيضة خوفاً من أي تطوير على أساس أن أي تغيير أو تطوير لا يأتي إلا بشر, وهذه نظرة قاصرة تؤثر في شريحة كبيرة من المجتمع، وهنا يأتي الأثر السلبي لمفهوم التقليدية على أساس أن النفس تجبل على حب القديم وتستطيع العيش مع ما تعارفت عليه حتى إن كان لا يحمل الخير لها.
عندما نطلب التغيير نحو الأفضل في عملنا وسلوكنا وتطوير أدواتنا الإدارية والمالية فإن هذا لن يحدث إلا إذا أصررنا على تغيير ذاتنا ودفعها نحو تقبل الأفكار الجديدة وأن تعمل معنا على تحقيق رسالة التطوير التي يعيشها العالم اليوم، وهذا التغير المرتبط بالتغيير هو ما سيساعدنا على الخروج من شرنقة التقليدية ويجعلنا في مصاف الدول المتقدمة المتحضرة، وهذا التقدم والتحضر لا يعني الخروج عن قيمنا الإسلامية وأعرافنا العربية وعاداتنا المحلية, لكن يجعلنا أكثر قدرة على الإنجاز وتعظيم الفائدة المرجوة من كل المشاريع التي نسمع بها ولا نرى أثرها أو آثار بعضها حتى يومنا هذا.
التغير لتحقيق التغيير هو طريقنا السليم نحو تحقيق الفائدة المرجوة من كل عمل نقوم به في مختلف مؤسسات الدولة سواءً في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو الأكاديمي أو الإعلامي أو المجتمع المدني بمختلف مكوناته وعطاءاته، هذا التغير هو ما سيدفعنا نحو ضمان حقوقنا وتحمل كل واحد منا مسؤولياته وعدم ترك الأمور تسير وفقاً لنظرية كيفما اتفق ''أو أننا نتوقع أن يبعث الله لنا من يساعدنا على حماية حقوقنا ويوضح لنا واجباتنا لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولهذا أصبح واجبا علينا الحرص على التغير لتحقيق التغيير، بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد، عالمي الطموح.
وقفة تأمل:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
إلى طبقات الجو وهو وضيع
وأقبح شيء أن يرى المرءنفسه
رفيعا وعند العالمين وضيع