بدل الغلاء.. هل من استمرار؟!

عندما اشتعلت نار الأسعار في هشيم دخول أبناء الوطن، توجهت الدولة - حفظها الله - إلى صرف بدل غلاء بنسبة 5 في المائه سنوياً ولمدة ثلاث سنوات متواصلة تنتهي بنهاية عامنا الهجري الحالي. وليس بمُستغرب أن يُقال في هذا المقام إن الدولة قد تحملت في ذلك مبالغ مالية من أجل المحافظة على دخول الموطنين السابقة من دون التأثير على تفضيلاتهم الاستهلاكية السابقة. ليس هناك إجماع على تعريف واحد للتضخم كون أي تعريف يخضع لمدرسة اقتصادية مختلفة، ففي العادة يُستخدم مصطلح التضخم لوصف عدد من الحالات المختلفة، مثل الارتفاع المُفرط في المستوى العام للأسعار، ارتفاع الدخول النقدية أو عائد عنصر من عناصر الإنتاج المختلفة، ارتفاع التكاليف، والإفراط في خلق الأرصدة النقدية. ففي العادة تكون الأسباب الداخلية للتضخم بسبب عدم التواؤم ما بين العرض والطلب نتيجة للتغير في مفردات الطلب الكلي، مثل الإنفاق الحكومي على سبيل المثال. وبالنظر، فالمملكة بلد يعتمد على الاستيراد والتصدير ودرجة انفتاحه على الأسواق الخارجية عالية، تقابل هذا طاقة استيعابية كبيرة، وبذلك تكون التغيرات في مُحفزات الطلب الكلي سهلة الامتصاص ولن تترك أثراً كبيراً في المستوى العام للأسعار، وعلى هذا فالأسباب الداخلية محدودة التأثير خاصةً في أوضاعنا الحالية. أما الأسباب الخارجية، فلها الوزن الأكبر في التأثير في المستوى العام للأسعار إذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع الأسعار في البلدان المنتجة، والانخفاض الحاد لسعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الرئيسية بصورة غير مباشرة. وقد يكون من المناسب الإشارة إلى نشرات صندوق النقد الدولي، كما وردت في العديد من التقارير، التي أظهرت خسائر جسيمة للعملات الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية كنتيجة لارتباطها بالدولار. على الجانب الآخر، هناك من يرى أن الواقع يحمل في طياته خسائر أكبر جراء هذا الارتباط، خاصةً في حال استمرار تذبذبات الدولار المستقبلية أمام العملات الأخرى وهو مانشهده بالفعل في وقتنا الحاضر. ومن الآراء التي تم تداولها لتدارك هذه السلبيات، الربط إلى سلة من العملات على أن يكون من مكوناتها الدولار، هذا سيساعد على علاج جزء كبير من التضخم المستورد وهو ماتُعاني منه الاقتصادات النامية عموماً كونها مستوردة تقريباً لكل شيء. وفي المراحل الأولى لصعود الأسعار لم تدخر الدولة جهداً في تعويض من تضرر من الارتفاع في الأسعار وتم ذلك من خلال تقديم بدل سنوي قابل لإعادة النظر في حالة السيطرة على التضخم أو معاودته للصعود من جديد. غير أن الظروف الاقتصادية الدولية شهدت وتشهد في وقتنا الحالي نوعا من الاستقرار على انخفاضات تمت العام الماضي واستقرت في الآونة الأخيرة مابين 4 و 5 في المائه، مايعني أن المواطن الآن يحقق نوعا من المكاسب في دخله الحقيقي. بالتأكيد هذا لايلغي حقه المُكتسب في هذا التعويض خاصةً إذا أدركنا أنه وفي فترات سابقة ذهب جزء من دخله الاسمي كضريبة لغلاء الأسعار ومع ذلك لم يتذمر أو يتضجر لإيمانه الكامل وقناعاته أن الدولة الكريمة متى ما رأت ما فيه الخير للصالح العام فلن تتردد لحظة في إنفاذه من دون بخل أو منة. ومع التقلبات الاقتصادية الدولية التي لم يسلم منها أي موطن هناك كاسب وخاسر وبدت تصبح الحاجة ماسة إلى ترشيد الإنفاق من قبل المواطن بالدرجة الأولى حتى يتسنى للدولة القيام بواجباتها التنموية على أكمل وجه وحتى تغدو هناك شراكة حقيقية في المسؤوليات والواجبات الوطنية بين المواطن ووطنه. ومن الآراء التي تُناقش هي القناعات المُطلقة لأبناء الوطن ببقاء هذا البدل على وضعه الحالي لسنوات قادمة وقادمة والمبررات تتمثل في أن موجة الغلاء التي سادت لفترة من الزمن ومن ثم استرخت قد تتبعها موجات من الارتفاع في السنوات القادمة خاصة إذا تحسنت الظروف الاقتصادية الدولية وبدأ الطلب العالمي على السلع والخدمات يأخذ طريقه إلى الواقع المُعاش. ومما لايقبل الجدل أن التكلفة المالية لهذا البدل ليست باليسيرة ماقد يضطر الدولة إلى التعامل معها بكل مهنية، فهي أمام خيار الإلغاء، التخفيض إلى نسبة محددة في المتوسط مابين 5 و 10 في المائه بشكل دائم أو إبقائها على حالها، وجميع هذه الخيارات لاشك أنها على طاولة مسؤولي الدولة وبالأخص حاكم هذا البلد الكريم. لقد شرعت الدولة بخطوة استباقية وهي إلغاء الدعم عن بعض السلع الرئيسية كالأرز والشعير وهذا سيفتح المجال أمام إلغاء الدعم بالكُلية وترك قوى السوق تعمل من دون تدخل في تحديد الأسعار ماقد يدفع المواطن إلى العمل الجاد على مزيد من الترشيد. بناء على المعطيات السابقة، فالرأي الأقرب هو إبقاء بدل الغلاء على ماهو عليه على أن تٌلغي الدولة التزاماتها المالية للدعم السلعي وبذلك يكون ما تدفعه الدولة للبدل السنوي هو نظير إلغاء الدعم للسلع، وبذلك تضمن زيادة دخل المواطن على أن يتولى بنفسه تحديد أولوياته ضمن موازنته الأُسرية وبما يحقق له المكاسب وفي حدود دخله المُتاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي