البنوك والمصارف السعودية القوية مستعدة لمزاولة أعمالها

هناك ثلاثة عناصر مهمة ومعتمدة على بعضها بعضا ساعدت على نجاح إصدار السندات المالية للبنك السعودي الفرنسي.
أولاً وقبل كل شيء، أن قطاع البنوك هناك من بين أكثر المصارف قوة في العالم. ولا يعود ذلك لكون مديري البنوك في المملكة العربية السعودية أكثر حكمة أو ذكاء من غيرهم. ولكن ذلك يعود لتنظيم مؤسسة النقد العربي السعودي للبنوك بشكل مناسب وصحيح. فلو حدثت أزمة في قطاع البنوك في المملكة، لتضررت سمعة النظام المصرفي هناك. فالعين الساهرة والحذرة للمؤسسة برهنت على أنها ذات أهمية قصوى للبنوك العاملة في السعودية.
فقد قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بتطبيق معدلات كفاية السيولة ورأس المال بينما كان الآخرون حول العالم، قبل الأزمة المالية العالمية، ينتقدونها ويتهمونها بأنها مشرّع يضفى الكثير من الأعباء. ولكن ثبتت صحة تمسك المؤسسة بتلك السياسة، مما أنتج نظاماً مصرفياً يمكن للعالم أن يتعلم الكثير منه.
معدلات القروض بالنسبة للإيداعات في نظام البنوك السعودية هي 78 في المائة، أمّا في الإمارات فهي 104 في المائة وفي قطر 110 في المائة وفي عُمان 108 في المائة وفي الكويت 89 في المائة. لم تتجاوز المصارف السعودية حد السلامة خلال السنوات القليلة الماضية حينما كانت بعض المصارف في دول الخليج الأخرى تقدم قروضاً بشكل مفرط، أمّا المصارف السعودية فقد كانت تُراقَب بصرامة من قبل المسؤولين. والمملكة هي شاهد على ذلك. فسجلات القروض للبنوك السعودية هي الأكثر اتزانا وتوازناًً بين دول الخليج. فنسبة القروض المتأخرة فيها عام 2009 كانت ضمن الأدنى في الخليج: القروض المتأخرة الدفع في المملكة العربية السعودية بلغت 1.1 في المائة، وفي قطر 1.1 في المائة ثم تأتي الإمارات عند 1.3 في المائة. ولكن من المهم الإشارة إلى أن نسبة التغطية إلى القروض المتأخرة في المملكة هي 165 في المائة ما يعني بأن المصارف تمتلك سيولة نقدية مخصصة للقروض المتأخرة أكبر من تلك التي تمتلكها قطر عند نسبة 82 في المائة. ومن المهم أيضاً أن الاختراق المؤسساتي كان ضمن النسب الأقل في المنطقة نتيجة لسياسة مؤسسة النقد الحازمة وحدود القروض التي تتوقف عند 25 في المائة من صافي الأصول للبنوك.
وفي عام 2008، بلغ الاختراق المؤسساتي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 95 في المائة في المملكة، و144 في المائة في الإمارات و125 في المائة في قطر و145 في المائة في الكويت. وأخيراً، فقد كان نشر البيانات من مؤسسة النقد أسرع منه في بقية أنحاء منطقة الخليج. ففي المملكة يتم نشر الإحصاءات المصرفية والنقدية شهرياً اعتماداً على بيانات الشهر السابق. وعلى الرغم من إجراء تحسينات على طرق نشر البيانات المصرفية، إلا أن الفارق الزمني لايزال موجوداً. فالإمارات الآن تنشر بيانات مصرفية خاصة بشهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2009 بينما قامت مؤسسة النقد بنشر بيانات مصرفية عن شهر شباط (فبراير) 2010. إضافة إلى القطاع المصرفي والبيئة التشريعية، فالاقتصاد السعودي، وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها، تمكن من الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية بدرجة أفضل من الكثيرين. وفي الواقع، لم تشهد السعودية أي زيادة في أسواق العقار مثل دبي وقطر وحتى البحرين. ولم تتورط البنوك في سوق العقارات. وفي الحقيقة، لم تتجاوز نسبة مجموع قروض العقارات والإعمار في المملكة 7 في المائة في 2008 وذلك في قمة نشاط سوق العقارات في الإمارات، وبالعكس، فقد بلغت تلك النسبة 20 في المائة في قطر و32 في المائة في الإمارات و33 في المائة في الكويت. وأطلق الاقتصاد السعودي برنامج إنفاق يبلغ 400 مليار دولار عام 2008، حتى نهاية عام 2013.
وأكدت المملكة التزامها ببرنامج الإنفاق حتى الآن، حيث إن الإنفاق بلغ حتى الآن نحو ثلث ما أُعلن عنه. وقد تمكنت من استخدام أصولها الأجنبية البالغة نحو 111 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي عام 2009 لدعم برنامج نفقاتها. من المهم أن نشير في هذا السياق إلى أن المملكة وفرت سيولتها النقدية ولم تستثمرها في أصول تدنت قيمتها. إضافة إلى ذلك، فليس على المملكة ديون حكومية خارجية. والديون الخارجية هي موضوع يثير انتباه وكالات التقييم. وديون السعودية داخلية بكاملها، فهي في مجموعها لمصارف سعودية أو مؤسسات حكومية. ويتم دفع الديون من قبل الحكومة. وستتراجع قيمة هذه الديون من 105 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي خلال التسعينيات، إلى 13.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2010. وأسهمت كل تلك الأسباب في الحفاظ على تصنيف عالٍ جداً للمملكة. وذلك إنجاز كبير مقارنة بالحكومات التي تقوم بمراكمة الديون لتحفيز اقتصاداتها. والدين الوحيد الخارجي على المملكة هو الدين المؤسساتي والخاص الذي بلغ عام 2008: 19.6 في المائة وفي الكويت 23.6 في المائة وفي الإمارات 38 في المائة وفي قطر 67.7 في المائة وفي البحرين 180.5 في المائة.
وتمتلك السعودية أيضاً عوامل نمو مهمة تميزها عن بقية دول المنطقة. فالتعداد السكاني يبلغ الآن 25 مليون نسمة وهو آخذ في الازدياد بمعدل يفوق 2.3 في المائة سنوياً. والأهم من ذلك هو أن نحو ثلثي السكان تحت سن الثلاثين. ومن المتوقع أن تشكل هذه الشريحة الشابة دافعاً قوياً للطلب على الإسكان في السنوات المقبلة. أمّا بقية دول الخليج فتمتلك أعدادا سكانية صغيرةً نسبياً مع أسواق محلية أصغر بكثير. هناك فرق واضح آخذ في التبلور بين اقتصادات الخليج: فاقتصاد السعودية هو الأكثر قوة واستقراراً ويليه اقتصاد أبو ظبي ثم قطر.
وأخيراً لم يكن إصدار سندات الائتمان الخاصة بالبنك السعودي الفرنسي ممكناً لو لم يكن الوضع العام للاقتصاد الكلي والقطاع المصرفي جيدا. يعكس البنك السعودي الفرنسي قوة واستقرار اقتصاد المملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالذكر أن البنك قد استمر في جني الأرباح سنوياً منذ تأسيسه.
التقييم الائتماني للبنك السعودي الفرنسي هو أحد أعلى التقييمات ضمن البنوك السعودية الـ 12. طبقاً لأدائه وملف المخاطر الائتمانية الخاص به، تأهل البنك لدرجة الاستثمار من قبل مؤسسة فيتش للتقييم منذ عام 2002. ومنذ ذاك التاريخ، لم يتوقف تقييمه الائتماني عن التحسن كما تأكد ذلك عندما رفعت ستاندارد آند بورز وموديز درجته لتصبح Aa3 في منتصف شباط (فبراير) عام 2010.
وخلال 2009، حافظ البنك على مستوى متدنٍ جداً من الديون غير العاملة، حيث بلغت نسبتها 1.27 في المائة في 2009، بينما عزز كفاية رأسماله «من 11.6 في المائة إلى 13.7 في المائة في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2009» وتمكن من جني عائدات جيدة جداً بلغت 16.6 في المائة.ولم يكن السبب من وراء إصدار السندات المالية زيادة سيولة البنك، حيث إن البنوك السعودية تنعم بفائض من السيولة. ولكن السبب هو الوصول إلى توازن بين أصول الدولار الأمريكي والالتزامات. والمصارف السعودية التي تحذو حذو البنك السعودي الفرنسي ستجد بأنه من الأسهل تخطيط استراتيجية تسعير سنداتها المالية عندما يكون المسرح العالمي يمر بمرحلة الإعداد. فقد تم تسعير سند البنك السعودي الفرنسي عند 175 نقطة أساس فوق معدل الفائدة على العقود المبادلة mid swaps، وذلك أدنى من سند بنك أبوظبي الوطني الأخير الذي تم تسعيره عند 178 نقطة أساس. والأهم من ذلك، فقد تم الاكتتاب في 60 في المائة من سندات البنك السعودي الفرنسي من قبل مستثمرين دوليين، 35 في المائة منهم متمركزون في أوروبا و40 في المائة من السندات من قبل مؤسسات سعودية. مع عدم إهمال حقيقة أن السوق الثاني لأي سند هو اختبار لمدى القبول العالمي له. وعند كتابة هذه المقالة، كان سعر تداول سند البنك السعودي الفرنسي يبلغ 160 نقطة مقابل 171 لسند بنك أبو ظبي الوطني. إن ذلك يدلل على أن المستثمرين العالميين بدأوا في التمييز بين الاقتصادات الخليجية وقد تم تقييم القدرة التنافسية للمملكة على أنها الأفضل بين جميع دول المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي