صناديق المؤشرات وكفاءة الأسواق «ولكنها ليست كفؤة»
تم أخيرا إطلاق أول صندوق للمؤشرات المتداولة في سوق الأسهم السعودي. ولحق ذلك الكثير من الأسئلة عن هذه الصناديق ومدى جدوى الاستثمار فيها. والجواب المختصر هو أن جدوى الاستثمار في صناديق المؤشرات يعتمد على وجهة نظر المستثمر حيال الاستراتيجية الساكنة للاستثمار وحيال مدى كفاءة الأسواق، وإليكم التفصيل.
هناك طريقتان أساسيتان لإدارة استثماراتك هما: الإدارة النشطة، والإدارة الساكنة. وليس المقصود بالمستثمرين النشطين هم الذين يمارسون الرياضة ويأكلون الأطعمة الصحية. فالفرق الأساسي هو أن الإدارة النشطة يقوم فيها المستثمر ''أو مدير الصندوق'' بمحاولة التنبؤ باتجاهات الأسواق والأسهم المختلفة ومن ثم يكوّن محفظة استثمارية يختلف توزيعها عن أسهم السوق ككل أملاً منه أن يتفوق أداء تلك المحفظة على أداء السوق. أما الإدارة الساكنة فيقوم فيها المستثمر بتوزيع استثماراته على نحو مطابق للسوق ككل أو لمؤشر أو قطاع معين، فيشتري جميع الأسهم بوزنها نفسه في السوق أو جميع الأسهم المكونة لمؤشر معين (مثال: مؤشر أكبر 30 شركة ... إلخ)، و بهذا فإن الهدف هو محاكاة أداء السوق أو المؤشر بأكبر قدر ممكن وبمجهود وتكاليف أقل.
والاختيار بين هاتين الاستراتيجيتين يرجع لوجهة نظر المستثمر حيال مدى كفاءة السوق الذي يستثمر فيه. فإذا كنت تؤمن بأن السوق عالي الكفاءة فعليك بالاستثمار بالأسلوب الساكن ''نظراً لصعوبة التغلب على السوق بصفة مستمرة''، أما إذا كنت ترى أن السوق غير كفؤ ''أي أن هناك ثغرات بين أسعار الأسهم وبين قيمتها الفعلية بناء على المعلومات المتوافرة'' فعليك بانتهاج الأسلوب النشط للبحث عن تلك الثغرات وتحقيق الربح منها. ونحن لا نقصد بالكفاءة هنا المفهوم القبلي لها ''هذا والله رجال كفو والله والنِّعم فيه''، إنما السوق الكفؤ هو السوق الذي تعكس فيه الأسعار جميع المعلومات المتوافرة عن الأسهم، ففي الأسواق الكفؤة لا يمكن الاستفادة من أي معلومات حالية ''سواء كانت معلومات مالية أو فنية أو اقتصادية ... إلخ'' لأن أثرها ينعكس تماماً على سعر الأسهم وبشكل شبه فوري، مما يعني أنه من الصعب التكهن بحركة الأسهم المختلفة في المسقبل وبالتالي من الصعب التغلب على أداء السوق ككل باستمرار، لذا فعلى المستثمر فقط أن يحاول محاكاة المؤشر مع تخفيض تكاليف الاستثمار ''كرسوم الإدارة والوساطة ... إلخ''. أما في السوق غير الكفؤ فإن أسعار السوق لا تعكس دائماً جميع المعلومات المتوافرة، و بالتالي بإمكان المستثمر النشِط أن يقوم بتحليل بعض المعلومات التي تعطيه رؤية لا تتوافر لغيره مما يمكنه من التغلب على أداء السوق باستمرار.
والخلاف حول مدى كفاءة الأسواق المالية هو من أشد الخلافات ضراوة في عالم الاستثمار. ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال للمستثمر الفرد، قمنا بإجراء دراستين: إحداهما عن السوق الأمريكي والأخرى عن السوق السعودي. وفي كل دراسة قمنا بمقارنة أداء مؤشر السوق ككل مقارنة بمتوسط أو معدل أداء جميع الصناديق الاستثمارية النشطة التي تستثمر في ذلك السوق (باعتبار أداء هذه الصناديق معياراً لمدى نجاح استراتيجية الإدارة النشطة). من واقع هذه الدراسة نتوقع أن السوق الذي يتغلب فيه المؤشر العام على متوسط أداء الصناديق النشطة يعتبر سوقاً عالي الكفاءة، بينما السوق التي تتغلب فيه الصناديق النشطة يعتبر سوقاً غير كفؤ.
و قد كانت نتيجة الدراسة أن السوق الأمريكي هو سوق عالي الكفاءة بصفة عامة، إذ تغلّب فيه مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر 500 شركة على متوسط أداء الصناديق النشطة التي تستثمر في الشركات الكبرى، و ذلك على مدى الفترات الزمنية المختلفة ''شهر و ستة أشهر و سنة و ثلاث سنوات''، و بالتالي فقد كان المستثمر في الأسهم الأمريكية أفضل حالاً لو كان قد استثمر باستراتيجية ساكنة في المؤشر الأمريكي للأسهم الكبرى، وذلك عبر أحد صناديق المؤشرات المتداولة. وقد كرر العديد من الباحثين هذه الدراسة فخرجوا بنتائج مشابهة. فعلى سبيل المثال قامت صحيفة ''وول ستريت جورنال'' الشهيرة بتتبع أداء ثلاث محافظ: الأولى مدارة بتوصيات كبار مديري الاستثمار، والثانية مدارة بتوصيات من القراء، والثالثة مدارة بواسطة انتقاء الأسهم بشكل عشوائي. ولم تجد أي فارق يذكر بين أداء المحافظ الثلاث مما يؤيد كون سوق الأسهم الأمريكي عالي الكفاءة.
أما السوق السعودي فقد ظهر أنه سوق غير كفؤ ''على عكس السوق الأمريكي''، حيث كان متوسط أداء الصناديق الاستثمارية النشطة أفضل من أداء المؤشر ككل، مما يعني أن انتهاج استراتيجية نشطة قد أثر إيجاباً في أداء تلك الصناديق. فقد كان متوسط الأداء السنوي لجميع صناديق الأسهم السعودية من بداية 2002م إلى نهاية 2009م 15.5 في المائة، بينما كان متوسط الأداء السنوي للسوق ككل في الفترة ذاتها 12.5 في المائة. هذا يعني أن من استثمر 100 ريال في السوق ككل في بداية الفترة كان سيحصل على 257 في نهاية الفترة، لكن الشخص الذي استثمر في صناديق الأسهم السعودية النشطة كان سيحصل على 317 ريالا خلال الفترة نفسها.
هذه النتائج متوقعة إلى حد ما. فكل ما كان السوق يتمتع بسيولة أعلى ''أي تداول أكثر'' و باحتراف أكبر و بجهات مؤسسية ذات خبرات أوسع و تغطية تحليلية و إعلامية أكبر و بمساواة أكبر في الحصول على المعلومة (كما هو الحال في السوق الأمريكي والعديد من أسواق الدول المتقدمة) كانت المنافسة عالية جداّ مما يزيد السوق كفاءة و يجعل التغلب على المؤشر أمراً صعباً، وبالطبع العكس صحيح ''كما هو الحال في السوق السعودي والعديد من الأسواق النامية والصغيرة''.
ونظراً لما سبق يمكن القول إن الاستراتيجية الساكنة مفضلة في الأسواق المتطورة و عالية الكفاءة ''حيث يحبذ فيها محاكاة المؤشر فحسب''، بينما قد تكون الاستراتيجية النشطة ''إما بانتهاجها شخصياً أو بواسطة صندوق استثماري نشط'' ذات جدوى في الأسواق النامية والأقل كفاءة، ومن ضمنها سوق الأسهم السعودي. هذا لا يعني أن صناديق المؤشرات غير ذات جدوى في سوق الأسهم السعودي، بل هي مفيدة للمستثمرين الأجانب حيث إنها الوسيلة الرئيسية لدخولهم في السوق، كما أنها وسيلة جيدة لمن أراد أن يضارب على السوق ككل دخولا وخروجاً دون أن يضطر لاختيار سهم بعينه ''وذلك الدخول والخروج أسرع من الصناديق العادية وأقل تكلفة''، ولكن المستثمرين ذوي المدى الطويل سيظلون يحصلون على عوائد أفضل بالاستثمار في أحد صناديق الأسهم العادية ذات الاستراتيجية النشطة، وذلك سيستمر حتى يصبح سوق الأسهم السعودي أكثر كفاءة.