المُحفزات التنموية وبيروقراطية التنفيذ!
ما إن شرعت حكومتنا الرشيدة في تنفيذ خطواتها التنموية الطموحة، حتى تبارت الأقلام في تمجيد هذا السبق التنموي المُعاصر واتكأت أقلام أخرى على مبادئ النقد للسياسة التنموية من باب عدم الاندفاع في التنفيذ وعدم إشغال النفس كثيراً في مواكبة التطور مع أفضلية الانتظار حتى يتمكن المجتمع من بناء ذاته داخلياً ومن بعد خارجياً. ونظراً لأهمية الدور الذي يقوم به الإصلاح الاقتصادي فقد انصبت المجهودات الحكومية على التركيز على تكييف هيكل الاقتصاد الوطني مع ما قد يطرأ من صدمات وتغيرات داخلية وخارجية حتى تتحقق الأهداف التنموية من خلال العمل على إزالة الاختلالات الهيكلية آخذين في الاعتبار تجارب الآخرين، فعلى سبيل المثال نجد أن التجربة المكسيكية مع الديون الخارجية قد أجبرت المؤسسات المالية الدولية على اتخاذ موقف إزاءها وذلك من خلال وضع برامج تكيف هيكلي لاقتصادها تسير بموجبه كي تخرج من أزمتها. وحقيقة الإصلاحات الاقتصادية تمثل رغبة الدولة الكريمة في بناء المؤسسات الوطنية بحيث تستطيع التكيف والعيش داخلياً وخارجياً وتتجاوب مع متطلبات السوق، ولهذا فإن اتفاقية واشنطن لعام 1989 للإصلاح الاقتصادي تشمل في الأساس بنوداً كثيرةً من ضمنها التقيد بالموازنات الحكومية بهدف السيطرة على العجز في موازين المدفوعات، المراقبة الداخلية الدقيقة للمصروفات الحكومية ضمن أولوياتها، توسيع مصادر الدخل من خلال الضرائب والعمل ضمن آليات السوق وبما تكفله من تحرير للسياسات المالية مع الحفاظ على أسعار صرف تحقق النمو وتنعش التجارة الخارجية، وكذلك تهيئة الأجواء لوضع قوانين واضحة وصريحة تحقق العدالة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي بحيث يكون هناك انسجام ما بين أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن آثار الإصلاحات الاقتصادية ومقاومة البيروقراطية الإدارية ستكون حافزاً للاستثمار المحلي والخارجي وداعماً قوياً للنمو الاقتصادي، وقد كان من نتيجة ذلك تسارع وتيرة الإنفاق الحكومي خلال فترات زمنية متعاقبة من بداية تواصلنا مع التنمية النابعة من التخطيط إلى وقتنا الحاضر مُشيرة إلى حجم الجهد الذي تبذله الدولة من أجل تحقيق النمو المتوازن وفي فترة زمنية قصيرة. نتيجة ذلك ارتفاع متوسط دخل الفرد من 5083 ريالاً عام 1971 إلى 24003 ريالات عام 1988، ومن بعد إلى 50022 ريالاً عام2005 ، كذلك الاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة ولله الحمد حيث انعكس ايجاباً على ارتفاع وتيرة أداء الاقتصاد الوطني وانتعاشه بخطى ثابتة. وليس بجديد القول، إن الاستقرار السياسي من حوافز تدفق الإستثمارات المُنتجة سواء كانت محلية أم خارجية، بجانب التقدم الملموس في إزالة العوائق التنظيمية والمالية. وللتدليل على الجهود المادية المبذولة، نجد أن خطة التنمية الأولى خصصت ما مقداره 3,5 مليار ريال للإنفاق على التنمية الاجتماعية والصحية لتقفز إلى 276,9 مليار ريال في الخطة السابعة. تكمن مشكلتنا الحقيقية في القدرة على وضع البرامج مع ضعف في ترجمتها على أرض الواقع، فمن السهولة رسم البرامج التي تحوي الكثير من المشاريع التنموية الطموحة أمثال مشاريع البنية الأساسية التي يتم التخطيط لها لكنها سرعان ما تحتاج إلى صيانة ناهيك عن تنفيذ المشاريع المؤقته كالسفلتة التي تزيد من الهدر المالي والاقتصادي. وكمجتمع نام لا شك أن هناك عوائق داخلية تعيق التنمية كالعوائق الاجتماعية مثل بعض العادات والتقاليد السلبية، والاقتصادية مثل انخفاض الادخار، إلا أن الجهود الحثيثة للدولة ستسهم في سرعة علاجها أو تحييدها على الأقل. من الممكن النظر إلى تحرير الأسعار على أنه من الحوافز المهمة للتنمية، فهو بلا شك يُساعد على استغلال الموارد الموجودة وبما يُحقق التوازن العام، القضاء على الاختناقات، وكذلك القضاء النسبي على الهدر المالي ولذلك لا ضير من محاولة ترجمته إلى واقع في بلادنا مع الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة بالدرجة الأولى ومن ثم مصلحة المواطن، فالتوازن ما بين المصلحتين أمر يُحتمه الواقع السياسي والاقتصادي. لا شك أننا في مرحلة احتياج إلى قطاع خاص قوي يتولى زمام المُبادرة بعد أن وفرت له الدولة البنية الأساسية المناسبة وقدمت له الكثير وهيأت له المناخ الاستثماري المناسب، لكن يجب أن يكون هذا التحرير انتقائياً ومدروساً بطريقة اقتصادية وعلمية واعية وبالتدريج حتى نتلافى الكثير من السلبيات. ومع تسارع وتيرة الخطوات الإصلاحية على الجانب الاقتصادي وظهور بوادر المؤشرات الإيجابية التي أشرنا إلى جانب منها، وجب الحديث عن ضرورة إعادة تقييم شامل لبرامجنا التخطيطية برمتها ليكون هناك إطار شامل للتنمية حتى نتمكن من المحافظة على هيبتنا ومكانتنا الاقتصادية الدولية ونتجنب الأزمات المالية المستقبلية والاحتياط لما قد يقع مستقبلاً، وعليه ضرورة إيقاف البيروقراطية الإدارية أو تحييدها لنحافظ على مكتسبات مُحفزاتنا التنموية. وبناءً على ما سبق، بالرغم من حِزم المحفزات التنموية القوية من جانب الدولة ورعايتها لها، إلا أن عقبة البيروقراطية الإدارية تعترض تحقيق البرامج المرسومة بالسرعة والتكلفة المعقولة وهذا يؤكد ضرورة وجود لجان إدارية فعالة وكفؤة ومحايدة في نفس الوقت تتولى إعادة دراسة البرامج المرسومة والتقيد بتنفيذها مع مراعاة السرعة والجودة ثم الجودة.