«تمطيط» الإجازات
تصاحب كل إجازة مدرسية, خاصة ما يأتي منها خلال العام الدراسي, ظاهرة تربوية وتعليمية بالغة السلبية, وهي ظاهرة عدم التزام المدارس ولا طلابها بمواعيد بدايتها ونهايتها, ولنا في إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني التي نحن فيها الآن, خير مثال يوضح هذه الظاهرة السلبية تربويا وتعليميا.
حسب جدولة الأسابيع الدراسية كان مقررا أن تبدأ إجازة نصف الفصل الدراسي الثاني بنهاية دوام يوم الأربعاء الماضي وتنتهي يوم الجمعة المقبل, لتستأنف الدراسة مباشرة يوم السبت, لكن الجميع يعلم علم اليقين أن هذه الإجازة كمثيلاتها بدأت فعليا منذ بواكير الأسبوع الماضي. صحيح أن المدارس لم تغلق أبوابها في وجه الطلاب والطالبات, لكن أصابها وأصاب طلابها قدر كبير من التراخي وهبوط الهمة الدراسية نتج عنه التوقف عن الاستمرار في إعطاء الدروس الجديدة, فالمعلمون توقفوا تقريبا عن تدريس الموضوعات الجديدة في المنهج, وتحولت الحصص إلى مراجعات هامشية غير مجدية, أو ترك الطلاب في هرج ومرج, بل نوم داخل فصولهم لتضييع الوقت, أو انشغال المعلم بأمور أخرى داخل المدرسة أو خارجها, وهذا الجو المتراخي انعكس بالتالي على ضعف انتظام الطلاب وتزايد نسبة غيابهم كلما قربت أيام الإجازة, حتى خلت معظم المدارس من طلابها في اليومين السابقين للإجازة, وبعضها قام بصرف الطلاب في منتصف اليوم الدراسي, ويتوقع كالعادة ألا تنتظم الدراسة إلا بعد مرور يوم أو يومين على بدايتها, وذلك لعدم اكتمال حضور الطلاب الذين عودوا ـ ومع الأسف ـ على هذا التراخي وعدم أخذ المواعيد بجدية وحرص.
هذه الظاهرة التي تبرز في المدارس الأهلية أكثر من الحكومية, تعكس وجود خلل في تطبيق الجوانب التربوية قبل التعليمية في منهجنا التعليمي ومدارسنا, فالعملية التعليمية تقوم أساسا على قواعد تربوية مرتبطة ومكملة للجانب التعليمي, فمن مهام التربية تهذيب سلوكيات الطالب, كتعويده على النظامية والالتزام ودقة المواعيد وعلى قيمة العمل والإنتاجية, لكن - ومع الأسف الشديد - في هذه الظاهرة التي يتم فيها التساهل والتهاون بالالتزام بمواعيد الإجازة والدراسة المحددة نظاما, فيها تعويد للنشء الجديد على الخروج على النظامية وعدم احترام الأنظمة والتساهل في تطبيقها, وهو ما سيؤثر سلبا في تشكيل سلوكياتهم في التعامل مع أنظمة المجتمع المختلفة, وهذا ملاحظ الآن وواضح فيما نعانيه نزقا وتهورا شبابيا, فالظواهر الشبابية التي بتنا نشكو منها, ولعل أبرزها أساليب قيادتهم السيارات المزعجة والخطرة وعدم التزامهم بقواعد المرور الأساسية وعدم تحرجهم من تجاوز قيم وأخلاق اجتماعية, هي نتاج ما عودناهم عليه تربويا وتعليميا بعدم قيمة وأهمية الالتزام واحترام الأنظمة, ومن ذلك بكل تأكيد التهاون في مط الإجازات والتساهل في ضبط الحضور وعدم المحاسبة على التغيب.
هذه الملاحظة على كيفية تعاملنا مع الإجازات وتقيدنا بمواعيدها, تبرز أهمية وقيمة الدور التربوي المصاحب للعملية التعليمية في صقل سلوكيات وثقافة الجيل الجديد, وهذا الصقل لا يكون فاعلا إلا من خلال ربطه بالتعليم, فالتربية ليست مفردات تعليمية بل تطبيقات سلوكية لا بد من أن تدرب وتعود عليها الأجيال الجديدة, ونحن حين نهمل ونتهاون في تطبيق نظام الإجازات نكون بذلك ندرب طلابنا على سهولة التمرد.
نعرف جميعا أن وزارة التربية والتعليم وإداراتها في المناطق تصدر مع كل إجازة تعليمات وتحذيرات بالانتظام حتى آخر يوم في الدراسة, والانتظام مباشرة بعد الإجازة, وكم كنت أتمنى لو لم يصدر مثل هذا التحذير, فصدوره يؤكد وجود مشكلة, وعدم تطبيقه يضاعفها, والحل البسيط هو في يد المدارس حين تسير بالعملية التعليمية بشكل طبيعي وليس بخلق أجواء للإجازة من خلال تراجع الاهتمام في الأيام السابقة للإجازة والتشجيع على «تمطيطها».