العراق. . والعودة إلى العمق العربي
لا أعتقد أن العبارة التي قالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء استقباله الدكتور طارق الهاشمي وهي ''العراق للعراقيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والديني والعرقي'' تروق لجيران العراق من جهة الشرق، فهم تصوروا أن العراق أصبح لقمة سائغة يستطيعون تحويلها إلى محافظة من محافظاتهم بعد أن أصبح يدير شؤون العراق من ولاؤه يتجه إلى الشرق لا إلى بلد عظيم هو العراق، هؤلاء الذين أداروا السلطة في العراق خلال السنوات الماضية ربطوا مصيرهم بالجارة ونسوا العراق، وبلغ بهم الضعف أن أصبح أحدهم لا يستطيع أن يستنكر احتلال بئر بترول عراقي، بل يسعى إلى تبرير ذلك الاعتداء، في حين لا يوفر مناسبة إلا واستغلها للهجوم على الدول العربية واتهامها بشتى الاتهامات التي تتماشى مع توجهات طهران.
الشعب العراقي ليس شعباً سهلا، فهو بكل طوائفه لديه شعور قوي بانتمائه العربي، ويدرك ما يجري على الساحة الداخلية في العراق ومن يحرك حوادث القتل والتفجير ويحاول السيطرة على مقدرات العراق، ولهذا فحينما جاءت الانتخابات الأخيرة قال كلمته رغم سطوة من هم في السلطة، فخرجت النتائج التي كانت متوقعة من الجميع، ما عدا من لا يعرفون اعتزاز العراقي بنفسه وبانتمائه العربي.
شعور عديد من الفعاليات السياسية بالعراق بحجم الخطأ الذي وقع فيه بعض ساسة العراق حينما راهنوا على حصان خاسر وربطوا مصيرهم بمصيره، جعلهم يسعون إلى إعادة العراق إلى انتمائه العربي، ولهذا جاءت تصريحات المسؤولين العراقيين الذين زاروا المملكة خلال الأسبوعين الماضيين لتؤكد على انتماء العراق لعمقه العربي الذي لا يحمل أطماعا بأرضه وثرواته.
فالدكتور إياد علاوي الذي واجه أثناء الانتخابات حملة شعواء بسبب زيارته للمملكة ومصر، نجده يؤكد على ارتباط العراق بمحيطه العربي وأن البعد عن هذا المحيط جعل العراق يعيش في عزله، ودعا إلى ''ضرورة سرعة عودة العراق إلى محيطه العربي، لأن العراق جزء من الأمة العربية، وتقوية العلاقات في الأولوية مع الدول العربية والإسلامية''، في حين يرى الدكتور طارق الهاشمي أن تمكن إيران من مفاصل الحياة في العراق يعود إلى الغياب العربي عن العراق لأنه حينما ''تترك الساحة للآخرين فهم سيدخلونها بقوة ويملأو الفراغ''.
وقد كانت المملكة حكيمة في تعاملها مع الملف العراقي، فرغم الحملات التي نظمت ضدها سواء من داخل العراق أو خارجه، فهي لم تجار هذا الإعلام الموجه، ولم تهبط إلى مستواه في السباب والشتم، ووقفت على مسافة واحدة من جميع الأطراف، لأنها ترى أن العراقيين على مختلف أطيافهم يجب أن يقدموا مصلحة العراق على غيرها من المصالح، ولهذا رأينا جميع من زار المملكة من الساسة العراقيين يدركون هذا الموقف ويقدرونه، فالسيد عمار الحكيم الذي زار المملكة والتقى خادم الحرمين الشريفين قال: ''نرى في المملكة العربية السعودية الجارة العربية الكبرى والشقيقة الكبيرة ونجد المشتركات التاريخية والمصالح الواسعة''.
كما أشار إلى أن ''السنوات السبع الماضية التي كانت فيها العلاقات متلكئة بين العراق والمملكة العربية السعودية أفقدت العراق والمنطقة فرصاً حقيقية لمزيد من الاستقرار والتواصل وتبادل المصالح وانطلاق المشروع الديمقراطي في العراق ''منوها بما استمع إليه من خادم الحرمين الشريفين من تأكيد على'' دعمه بقوة للقرار العراقي أو أية نتائج أو معطيات يتوصل إليها العراقيون فيما بينهم''.
إن ما يحتاج إليه العراق هو الوقوف إلى جانبه لينهض من جديد بعيدا عن تسلط الميليشيات والجماعات ذات الارتباطات الخارجية، وأن يكون لمحيطه العربي دور في تقديم العون والمساعدة له، بدلا من تركه وحيداً ليستفرد به من لديه أطماع في العراق وبغيره من الدول العربية.