"بريكس +" شراكة المصالح بعيدا عن تعددية الأقطاب
هل أطلق تحالف "بريكس" رصاصة الرحمة على النظام العالمي أحادي القطبية؟ وهل نحن على أعتاب نظام عالمي جديد أو ناتو رديف تقوده الصين وروسيا في مواجهة أمريكا والغرب؟ ماذا عن الدول النامية والفقيرة التي تبحث عن الحماية والدعم الاقتصادي بين معسكرين متضادين لكل منهما أهدافه السياسية والعسكرية والاقتصادية؟.
أسئلة برسم الإجابة في ختام قمة قازان التي رسمت ملامح اقتصادية لعالم لا يخلو من المحاور والاصطفافات المصيرية.
قبل الدخول في قراءة نتائج قمة "بريكس" في روسيا لا بد من الإشارة إلى أن دول هذا التجمع شكلت 46% من سكان العالم في 2023 و 37% من إجمالي الناتج العالمي و تسيطر على 42% من إنتاج النفط، وتتمتع دوله بمتوسط نمو اقتصادي قوي في 2024-2025 سيبلغ 3.8% بينما سيتراوح النمو العالمي بين 3.2 و3.3%. وهذا بـ لغة الأرقام يعني أن بريكس قوة اقتصادية قوية لا يستهان بها في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الافتتاح الرسمي لقمة بريكس أمس أكد أن "مسار تشكيل نظام عالمي متعدد القطب جارٍ حاليا، وهو مسار دينامي ولا رجعة فيه"، وهناك مقترحات بنظام مالي وشكل آخر للمدفوعات والتجارة والاستثمار يفرض قوته على الساحة الدولية.
معروف أن إنشاء "بريكس" يعود إلى اتفاق 4 دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين على إنشاء مجموعة أطلقوا عليها "بريك" (مستخدمين الحرف الأول من اسم كل دولة)، 2006. ثم انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة في 2010، ليصبح الاسم "بريكس". وقد اُعلن في قمّة أغسطس 2023 انضمام مصر والإمارات والسعودية وأثيوبيا وإيران والأرجنتين إلى المجموعة، لكن الرياض تريثت في قبول العضوية في ظل الأزمات العالمية المتصاعدة بين الأقطاب العالمية المتصارعة والمتنافسة اقتصاديا وسياسيا.
مجموعة بريكس في بيانها الختامي، أعلنت الموافقة على انضمام 10 "دول شريكة" جديدة وأن أكثر من 30 دولة أبدت رغبتها في الانضمام للمجموعة. ويُعد هذا التطوّر في طلب العضوية مكسبا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وحليفه الصيني شي جين بينغ في استمالة قوى دول الجنوب إليه وخصوصا تركيا الأطلسية في أوج المواجهة الروسية مع الغرب بسبب الحرب في أوكرانيا.
رغم قوة تحالف "بريكس" باعتباره مشروعا مناقضا للغرب ويطمح أن يكون لاحقا منافسا لـ "الناتو"، غير أن اختلاف أجندات الأعضاء وتعارض مصالحهم وتمسك بعضهم بعلاقة جيدة مع الغرب عوامل تبعد "بريكس" من حلم تشكيل تحدٍ اقتصادي وسياسي في الوقت الراهن لأن المصالح السياسية تختلف عن المصالح الاقتصادية لكل دولة، وقرارات الدول تبنى وفق مصالحها الوطنية أولا .
عضوية بنك التنمية الجديد التابع لـ "بريكس"، الذي تأسس في 2015 بديلا محتملا للصندوق والبنك الدوليين، ونظم المدفوعات البديلة لـ "سويفت" التي اقترحتها بعض دول بريكس تحتاج وقتا طويلا لتشكل منافسا شرسا للأنظمة والمؤسسات المالية الغربية كالصندوق والبنك الدوليين، اللذين يعقدان اجتماعاتهما الخريفية في واشنطن على الضفة المقابلة من الأطلسي، ولهما رسالتهما الخاصة بأن الولايات المتحدة لا تعد "بريكس" تحديا جوهريا. كما أن أعضاء المجموعة وقواعد تشغيلها وتكوينها عوامل لا تمثل خطرا على المنظومة الغربية ومؤسساتها على الأقل في الوقت الحالي.
أخيرا يبدو خيار بريكس + على غرار أوبك + صيغة منطقية قريبة من التطبيق في هذا التحالف لأن مصالح بعض الدول المتحالفة متداخلة وتميل إلى الشراكة بديلا عن الاصطفافات في ظل طموحات الشرق وقوة وصلابة أنظمة الغرب.