واقع السوق النفطية وضعف القدرة على المُناورة!!
الدراسات والأبحاث المتعلقة بالنفط لم يهدأ لها بال ولم يغمض لها جفن، بل لم تكتف بماضي هذه المادة وحاضرها، إنما امتدت بنظرة مستقبلية لتشمل جوانبها المُختلفة إن كان بالإنتاج، الاستهلاك، الكشوفات، نمو الطلب العالمي عليها إلى غير ذلك من المتغيرات الاقتصادية المؤثرة على ديمومة وعمر هذه السلعة. بُعيد الأزمة المالية العالمية شهدت أسواق النفط بعضا من التراخي نتيجة لانخفاض الطلب العالمي على هذه السلعة الإستراتيجية بعامة كنتيجة للانخفاضات الدراماتيكية في النمو الاقتصادي العالمي الذي شارف الصفر في بعض الاقتصادات الكبيرة. لاشك أن المتابع لهذه السوق القلقة دائما ما يحتاج إلى خبرات، إمكانات، ومهارات تجعله قريباً من بعض التوقعات الصحيحة في غالب الأحايين، بيد أن الأخبار التي رشحت عن هذه السوق تزيد من صعوبة التنبؤات الدقيقة لها في المستقبل المنظور ناهيك عن البعيد، فقد أشارت بعض التقارير الصحافية إلى وجود ما يقارب 8,1 مليون برميل زيادة على الحصص نتيجة لتجاوزات أعضاء أوبك خلال شباط (فبراير) الماضي، في إشارة واضحة إلى ضعف واضح في التنسيق بين الأعضاء في المجالات الإنتاجية، وهذا يعطي السوق إشارات متباينة مع إمكانية اختراق تحصينات أوبك وبكل سهولة. من المهم اقتصاديا أن يعكس سعر برميل النفط تكلفة البدائل لهذه السلعة الإستراتيجية وليس تكلفة الإنتاج، أي أن مصادر الطاقة الأخرى كالفحم الحجري، الطاقة الكهرومائية، الطاقة الشمسية، والطاقة النووية وغيرها لها من التكاليف الرأسمالية الباهظة أن كان في التأسيس أو الاستخراج، يضاف لذلك الآثار المنظورة وغير المنظورة التي يتحملها المجتمع بأسره، ولعل حوادث التسربات الإشعاعية ما زالت قريبة. الاستكشافات النفطية، الاستخراج، أو زيادة الطاقة الإنتاجية تخضع لعمليات معقدة ومكلفة جداً وتحتاج إلى استثمارات هائلة، ففي ظل عدم استقرار أسعار النفط فلن يكون بمقدور أعضاء أوبك القيام بهذه العمليات لأن هذه الاستثمارات ستكون على حساب عمليات التنمية التي تحتاج إليها هذه البلدان، ولهذا فإن الدول المستهلكة للنفط ستأخذ في اعتباراتها الحرص على استقرار وسلامة البناء الاجتماعي والسياسي لدول أوبك لأن هذا يعني استقرارا لإمدادات الطاقة على المدى الطويل. غير انه من الممكن القول إن مجمل الدراسات الغربية تصب في خانة الارتفاع المُؤكد للطلب العالمي على النفط في الأسواق العالمية، ولا سيما الطلب على النفط العربي بخاصة، نظراً للمزايا التي يتمتع بها من ناحية الجودة وغزارة الاحتياطيات المستقبلية. وهذه العوامل ستزيد من اعتماد الأسواق الغربية عليه وبالذات الطلب الأمريكي، حيث تُشير الدراسات إلى زيادة اعتمادها عليه ليصل إلى أكثر من 50 في المائة عام 2020م. بالتأكيد كل الدلائل تؤكد استمرار الاعتماد الدولي على البترول العربي وبخاصة الخليجي، لكن من الجانب الآخر ما زالت الدول المستهلكة للنفط تضع العراقيل أمام وارداتها منه مثل ضريبة الكربون التي قد لا تشجع على الاستثمار في هذا القطاع المهم وهذا في حقيقته من التحديات القاسية التي تواجه الدول المنتجة له. الأرقام تُشير إلى أن المملكة، الكويت، الأمارات، والعراق لديها من الاحتياطيات ما يُقارب 50 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي قبل عقد من الزمان، ولهذا فإن الأعباء المستقبلية المالية على هذه الدول ستكون كبيرة لرفع طاقاتها الإنتاجية وهذا لن يتحقق إلا من خلال زيادة مقبولة ومجزية لأسعار الخام تُترجم على شكل زيادة دخول لهذه الدول تصب في مصلحة زيادة الاستكشافات النفطية على الرغم من أن الأجواء الخاصة بهذه السوق تتصف بعدم الاستقرار. ونظراً لأهمية الدور الذي يقوم به النفط فقد وضع الدول المنتجة له أمام تحدٍ آخر بعد إخراج النفط من قائمة السلع التي تحكمها اتفاقية الجات، على الرغم من التبريرات التي ساقتها وتسوقها الدول المستهلكة في هذا الشأن، إلا أنه كان خطأ تاريخياً أفرزه ضعف تماسك دول أوبك واتساع رقعة الخروقات التي من نتيجتها ضعف موقف أوبك، ما زاد من قوة الدول المستهلكة وقدرتها على استثنائه من الاتفاقية. فخروج النفط من هذه الاتفاقية سيحقق مكاسب للدول المستهلكة لتفرض ما تشاء من ضرائب ولتُقيده بما تريد من حصص متى ما رأت ذلك يصب في مصلحتها، إضافةً إلى ذلك فإن الشركات الأجنبية وبالذات الغربية العاملة في مجالات الاستكشاف والتنقيب لا تخضع أيضا لمعاملة اتفاقية الجات، كما أنها لا تخضع للشروط المحلية من ناحية استخدام السلع المحلية ولا حتى التوظيف. لقد استطاعت الدول المستهلكة التحكم في الطلب على النفط من خلال تقييد الاستهلاك منه عن طريق الضرائب وتشجيع المصادر البديلة له كدعم الفحم الحجري على الرغم من الأضرار الناتجة عنه على البيئة، وكذلك من خلال العرض في التحكم به عن طريق المخزونات الإستراتيجية، فأصبحت أوبك دائماً ما تبني سياساتها الإنتاجية على المخزونات الغربية. الموقف العربي والخليجي يجب أن يكون قوياً بما فيه الكفاية، من خلال مزيد من التنسيق والتشاور بين الأعضاء الخليجيين لفرض واقع سعري عادل جديد. أما في ظل الانقسامات الحالية فستبقى الأوضاع كما هي إن لم تكن أسوأ بانتظار التسعير يأتي من الخارج.