سد الفجوة التنموية العربية!!

المُراقب للشأن الاقتصادي العربي يُدرك التفاوت الشديد والتباين الكبير بين هذه الاقتصادات، مجموعة منها تعتمد إنتاج المواد الأولية من نفط وغاز ومعادن متنوعة، حيث النمو الاقتصادي يعتمد، وبشكل رئيس، على الإيرادات المتحصلة من صادرات هذه السلع، والبعض الآخر على الزراعة وبعض الصناعات الخفيفة، ويعاني انخفاضاً شديداً في متوسط دخول أفراده. طبقت بعض الدول العربية سياسات اقتصادية متفاوتة من أجل اللحاق بركب من سبق، فسياسة إحلال الواردات التي اقتفت خُطاها بعض الدول العربية في محاولة لزيادة الإنتاج المحلي على حساب المستورد بُغية الوصول إلى الصناعات الثقيلة، لم تستمر بعدما أصبح الانفتاح الاقتصادي مطلب كثير من الدول من خلال تطبيق آليات السوق على أمل قدرة الاقتصادات المحلية على التوزيع الأمثل لمواردها المتاحة.
هذه السياسات غلبت عليها العشوائية وتم البعض منها من خلال التحالفات ما بين الشركات الأجنبية والمحلية على أمل أن تدعم الاقتصاد المحلي برأس المال والخبرات اللازمة لتحقيق التنمية، وهو ما لم يتحقق بالصورة المرجوة. لا شك أن متوسط الدخول في الدول الخليجية أفضل، مقارنة ببقية الدول العربية الأخرى، غير أن المقارنة بمتوسط الدخول في الدول المتقدمة ستفرز فجوة ليست باليسيرة.
المتابع لأوضاع التنمية العربية بعامة والخليجية بخاصة يلحظ ارتفاع العجز في الإنتاج الغذائي العربي سنة بعد أخرى، وبالأخص في دول الأحواض النهرية التي يفترض فيها استغلال إمكاناتها الإنتاجية الغذائية، وتزايد وتيرة الإنفاق الاستهلاكي غير الإنتاجي، كذلك ضعف القطاعات الإنتاجية الأساسية مع ارتفاع معدل النمو السكاني الذي يُلامس الـ3 في المائة في بعض المناطق، ناهيك من ارتفاع نسبة من هم في سن العمل من الشباب ما يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة على الحكومات للتوجه السريع لمعالجتها قبل استفحالها وتفشيها ووصولها إلى ظواهر سلبية يصعب علاجها.
غير أنه من الممكن القول إن التوجه العالمي نحو التخطيط الحديث ومن جملتها الدول العربية رغبة منها في تجاوز أوضاعها الحالية من خلال تأهيل اقتصاداتها للعالمية، وذلك باستخدام أساليب التخطيط الحديثة من أجل الارتقاء بمستوى الإنتاج والإنتاجية لتحقيق التنمية الشاملة. إلا أنها وفي خضم التطوير ما برحت تواجه كثيراً من العقبات التنموية، وعلى جميع الصُعد من اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، وتوعوية أثرت في مظاهرها وإفرازاتها على التنمية الاقتصادية، وأحدثت نوعاً من التقزيم للتوجه الانفتاحي الاقتصادي، وعلى هذا، فإن الجهود التنموية لن تكون بذات السهولة، كما في أجزاء من العالم، ناهيك عن أنها ستواجه أعباء مالية كبيرة من خلال متطلبات الإنفاق على الأوجه المختلفة. هذه الأوجه الإنفاقية قد لا تكون بمستوى موازنات الحكومات، ولن تكون قادرة على الاستمرار في تلبيتها مستقبلاً بسبب ضعف وعدم وضوح الإمكانات المادية.
بنظرة فاحصة، فبالرغم من برامج وعمليات التطوير والتحديث، إلا أننا نلحظ أن غالبية الدول العربية تحتاج إلى إمكانات مادية هائلة من أجل توفير البنية الأساسية التحتية اللازمة من تعليم، وصحة، وشبكات مياه وصرف.. إلخ، إضافة إلى إصلاحات شبه شاملة في المجالات الإدارية، والتعليمية، والاقتصادية، ما يضمن توجيه الموارد المتاحة الوجهة الصحيحة، وما لم تتم هذه الخطوات التطويرية السريعة فستفقد الكثير والكثير في طريقها لتحقيق التنمية الشاملة.
من الموضوعية الإشارة إلى تكلفة مستقبلية، وجب التهيؤ لها، فبُعيد انهيار الاشتراكية برزت للسطح مفاهيم جديدة عملت على صياغة النظام العالمي من خلال تحوير مفهوم التنمية الشاملة وتوسيعه لتدخل من ضمنه المفاهيم السياسية والاجتماعية والثقافية ذات الأبعاد العالمية، وهذا بحد ذاته قد أعطى بُعداً جديداً للتنمية لم يكن سائداً من قبل، ما يعني أن التنمية تشمل كثيراً من الجوانب الواجب تغطيتها وإدراجها ضمن هذا المفهوم ليدخل في ثناياها التحولات السياسية والثقافية باتجاه الحريات العامة، التي في نهاية المطاف قد لا تتلاقح مع النزعة التنموية الاقتصادية الصِرفة في مجتمعات تعمدت فيه الفصل ما بين التنمية الاقتصادية والتوجهات المختلفة بعامة، وكذلك ما قد تفرزه من تصادم ما بين المستورد من تطلعات تنموية تطويرية غربية المنشأ، والسائد المرتبط بالموروث الثقافي والاجتماعي، وبالتالي إعاقة التنمية.
باعتقادي وضمن منظور شامل، فإن التجربة الصينية من التجارب المناسبة، التي تستحق الدراسة الشاملة بجميع أبعادها وجوانبها الاقتصادية، وبما يعزز دور القطاع الخاص والنشاط الاقتصادي مع وجود درع سياسية واقية بالرغم من التكاليف الاجتماعية له، مع الأخذ في الحسبان التحولات السياسية والاجتماعية، التي تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتواءم وتتكيف مع المستجدات العالمية.
الفجوة موجودة بيننا وبين من سبقنا في الأخذ بالأسباب المادية، وعليه، فإن تجسير الهوة يتطلب مزيداً من العمل التنموي والتوعوي في نفس الوقت، فالإمكانات المادية قد لا نستطيع توفيرها باستخدام أساليب الادخار القديمة مع إحاطتها بهالة استهلاكية ضخمة، بجانب التركيز على كبح جماح الاستهلاك الترفيهي قدر الإمكان من خلال فرض ضريبة على الاستهلاك الجائر، وبالذات السلع الفارهة.
ضعف القطاعات الإنتاجية، وسوء الإدارة، والفساد الإداري، والهدر المالي ليس من الصعوبة الوقوف أمامها متى ما أدركنا خطورتها على مسيرتنا التنموية من خلال تفعيل المؤسسات الرقابية الصارمة عن طريق ضمان الجودة، والمساهمة في الإنتاج والتوظيف.
أكاديمي واقتصادي سعودي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي