حراكنا الاجتماعي مطلب مستقبلي
المتابع للحراك الاجتماعي السعودي الذي نعيشه اليوم يرى أننا نسلك الطريق السليم نحو وضع رؤية اجتماعية اقتصادية محلية لما يجب أن نكون عليه خلال السنوات المقبلة, خصوصاً ونحن نعيش مرحلة مخاض تنموي يتطلب وضع الرؤية التي يجب أن نكون عليها دون الانقياد نحو التقليد الأعمى والخاطئ, أو الانكماش على التجربة الثابتة غير المتجددة وغير القادرة على محاكاة التغيرات العالمية التي تدور من حولنا, والاستمرار في الإصرار على مواقفنا الرافضة لأي تغيير, ما ينعكس سلباً على حياتنا وسلوكنا ويفقدنا القدرة على تحقيق ما نريد ويزيد من الفجوة المجتمعية بيننا.
دعم الحراك الثقافي الاجتماعي وتعزيزه وإبراز نقاط الاختلاف ووضعها على طاولة الحوار والنقاش يعزز قدراتنا على إيضاح الصور, وفي الوقت نفسه يكسر حاجز الخوف داخلنا من طرح قضايانا الاجتماعية الأساسية التي كنا, وربما ما زال بعضنا, يعتقد أنها من الثوابت التي يجب عدم الحديث عنها أو المساس بها بينما في واقع الحال هي أحد الأسباب التي تجعلنا نعيش حياة من الازدواجية والتخبط, وأن نكون كما يقال بوجهين, واحد للظاهر والآخر للباطن, بمعنى نظهر في حياتنا وسلوكنا وتعاملنا ما لا نؤمن به في داخلنا, وهذا يؤدي إلى ضعف الشخصية واهتزازها أمام الذات, وهو الأخطر, ثم أمام الآخرين, وهو المؤلم، حتى أن بعضنا وفي خضم التغيرات حولنا يجد كثيرا من الحرج أمام أطفاله بسبب ازدواجية التصرفات والفكر, والطفل ذو السنوات الست دائماً يسأل والده أو والدته لماذا نفعل هذا هنا ونخالفه هناك, والقصة تطول حول ازدواجية المعايير واتساع الفجوة وتعدد الوجوه, بحيث ضربنا الرقم القياسي في ذلك.
الحراك الاجتماعي وطرح خلافاتنا الفكرية والثقافية على طاولة النقاش أو من خلال الإعلام بطريقه متزنة يحترم كل منا الآخر ويقدر فيه عقله وطرحه واتزانه وسعيه نحو الحقيقة التي تقود إلى صفاء العقيدة وصفاء النفس وراحة البال والخروج من شرنقة الخوف وخوف النقاش, وكل ما نراه ونسمعه اليوم من قضايا تثار حول عديد من قضايانا الاجتماعية والثقافية والدينية مردها إلى الرغبة الصادقة في إيجاد المعايير الاجتماعية القادرة على محاكاة متطلبات العصر ووضع الرؤية المستقبلية لما يجب أن نكون عليه وبما يضمن لنا تحقيق التنافس الشريف مع دول العالم دون خوف أو قلق أو انطواء أو ازدواجية معايير.
الحراك الثقافي والاجتماعي حتى الديني اليوم ينطلق من القاعدة المعرفية لمتطلبات المجتمع اليوم وما يريد للمستقبل, وطرح مثل هذه القضايا ضرورة اجتماعية تنموية نحن في أمس الحاجة إليها, خصوصاً أن أبناءنا وبناتنا من أجيال الغد ينظرون بشوق إلى طرح عديد من تساؤلاتهم أمام أصحاب الرأي والفكر لمناقشاتها وتقديم الحلول التي تحقق لهؤلاء الشباب من الجنسين الالتزام بعقيدتهم والتعايش مع مجتمعاتهم العالمية التي يتعاملون معها يومياً من خلال مختلف وسائل الاتصال والتواصل.
إن ارتباط ديننا بسائر أعمالنا وعباداتنا يتطلب منا المراجعة والقياس والتطوير في الأمور المتعلقة بشؤون الحياة والعمل ومتغيراتها وما يرتبط بها من اختلافات عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية والعملية. كما هو معروف لنا جميعاً أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان, لذا فإن قدراتنا على استنباط السلوكيات والإجراءات والتعاملات التي تنطوي تحت النظرة الشاملة والمتوازنة لديننا الإسلامي هي أحوج ما نحتاج إليه اليوم لتجسير الفجوة بين العلاقة المترابطة بين الدين والعمل ومساعدة الشباب على تحقيق الفهم المتزن لقدرة ديننا الإسلامي على تحقيق ذلك دون المساس بالثوابت والمعتقدات الدينية السليمة.
المعايش اليوم للحراك الشبابي داخل مجتمعاتنا يلاحظ هذا الانقسام الفكري الديني في كثير من مناحي الحياة, ما أوجد لدى عديد من شبابنا من الجنسين مشكلة ما يمكن تسميتها ارتباك الهوية الدينية والارتباط الديني بسبب غياب الرؤية لما يجب أن نكون عليه, ولهذا فإن الحاجة ملحة إلى إعطاء مزيد من المساحة للحراك الاجتماعي الثقافي الديني بين من يملكون المعرفة والعلم بالقضايا ذات الاتصال والترابط ببعض القضايا الدينية الدنيوية التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة ترجيح, وهو ما عرف عن علماء الإسلام في جميع العصور الإسلامية, وهو ما حقق للإسلام بقاءه ودوامه وصلاحه لكل زمان ومكان.
أعلم أن مثل هذا الحراك غير مرغوب فيه من بعض الفئات لاعتقادها أن ذلك يسيء للدين, أو ربما يؤدي إلى فساد, لكن الحقيقة أن الصمت على الأمر والإصرار على عدم التغيير سيؤديان إلى التغيير, لكن غير الموجه والمقنن والمتزن المرتبط بسلامة وصحة وصفاء العقيدة.
كما كتبت وقلت كثيراً فإننا نمر بمرحلة تنموية تتطلب التغير لمجاراة المتغيرات العالمية, وإذا لم ننجح في تقديم النموذج الإسلامي السليم فإن العالم سيقدم لنا نموذجا آخر قد لا نرى الخير فيه، ولهذا دعونا ندع القلق جانباً ونعمل من أجل نظره إسلامية متميزة لا تفصل بين الدين والدنيا, وتجعل عملنا خالصا لوجه الله ــ سبحانه وتعالى ــ دون خوف أو قنوط أو قلق.
وقفة تأمل
أسأل الله لنا جميعاً: صفاء العقيدة، وصفاء العقل، وصفاء القلب، وصفاء النفس، وصفاء العيش، وصفاء العبادة، وصفاء الرزق، وصفاء الحياة.