مواجهة مع «المالية» و«التخطيط»
في برنامج «واجه الصحافة» الذي عرض يوم الجمعة الماضي، واجه الزميل داود الشريان وزارتي التخطيط والمالية اللتين مثلهما نائب وزير التخطيط ووكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية، وكان الحديث عن هموم ميزانية الدولة والصرف على المشاريع, ذلك اللقاء كان شائقا ماتعاً, حدّثت فيه كثيرا من معلوماتي حول الميزانية والصرف وتعلمت منه كثيرا, لقد كانت الحلقة تحاول الإجابة عن بعض الأسئلة, لكن الحقيقة أن الحلقة ولدت أسئلة مضاعفة عما كان يدور في أذهاننا أصلاً.
لقد أجاب مسؤولا وزارتي التخطيط والمالية عن كثير من الأسئلة، وزوّدا المشاهدين بكم هائل من المعلومات، ومن أبرز ما سمعت في ذلك اللقاء خلافاً لما أعلم (نتيجة لجهلي وضعف قراءتي):
1 ــ أن الدور الرئيس في وضع الميزانية واعتمادها هو لوزارة التخطيط وليس لوزارة المالية, حيث ظهر للمشاهد أن وزارة المالية يتركز دورها في الصرف وإجراءاته فقط, والحقيقة أن هذه المعلومة بالذات صعبة التصديق بالنسبة لي شخصياً, وأعتقد أنه الشيء نفسه بالنسبة للقراء!
2 ــ لا يوجد أي تفاوض بين الجهات الحكومية ووزارة المالية على الميزانية واعتمادات المشاريع.
3 ــ أن لمجلس المنطقة دوراً رئيسياً في تحديد حاجة المنطقة من المشاريع.
4 ــ أن هناك نظاماً للميزانية موجودا، ويتم إعداد ميزانية الدولة بناء عليه.
5 ــ لا يمكن لأي جهة كانت أن تنقل مشروعا من منطقة إلى أخرى أو من مدينة إلى أخرى داخل المنطقة بعد أن يتم اعتماد هذا المشروع في الميزانية.
6 ــ أن القصور في المشاريع يلام عليه بالدرجة الأولى الجهات الحكومية نفسها، نتيجة سوء ترتيب أولويات مشاريعها، وعدم قدرتها على إقناع وزارة التخطيط باحتياجاتها.
7 ــ أن تكاليف التشغيل والصيانة للمشاريع الضخمة التي تنفذ حالياً تم أخذها في الاعتبار عند اعتماد هذه المشاريع في السنوات اللاحقة.
في المقابل فإن مسؤولي وزارة التخطيط والمالية لم يجيبا عن بعض التساؤلات التي يطرحها عموم المواطنين، منها:
1 ــ كيف تعتمد الميزانية على خطط التنمية الخمسية، خاصة أن خطة التنمية التاسعة التي تغطي الأعوام 2010 إلى 2014 لم تعتمد حتى الآن, بمعنى أن الميزانية الحالية المعتمدة لم تعتمد خطتها الخمسية بعد!
2 ــ كيف يتم تنسيق الأدوار بين وزارة المالية ووزارة التخطيط والوزارات ومجالس المناطق فيما يخص المشاريع؟
3 ــ كيف يتم توزيع الموازنة والصرف بعدالة, وأكرر بعدالة, بين الوزارات والمناطق؟
4 ــ لماذا تلجأ بعض الجهات الحكومية إلى الحيل القانونية لتجاوز عقبات الموازنة والصرف؟
5 ــ لم يتم تبرير التضارب الموجود حالياً في عدم وجود أي مرونة في الموازنة, مع تعارض ذلك كلياً مع المكرمات السارة المستمرة باعتمادات إضافية لبعض المشاريع وبعض المؤسسات التنموية!
ومع احترامي الشديد لشخصي نائب وزير التخطيط ووكيل وزارة المالية إلا أنهما ــ في نظري ــ لم يقنعا المشاركين ولا المشاهدين بأن الوزارتين قامتا بالدور المطلوب منهما لتحقيق رفاه المواطن, بل على العكس لقد كانت الأرقام والإحصاءات التي نثرها معالي نائب وزير التخطيط على طاولة داود الشريان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير, خاصة ما يخص التعليم والصحة, حيث ذكر معاليه أن السعودية حققت معدلاً عالياً في مجال التعليم يبلغ معلماً واحداً لكل 11 طالباً! كما ذكر أن معدل الأسرة في المستشفيات سيبلغ 3.5 سرير لكل ألف مواطن! ولست أنكر هذه المعدلات, خاصة ما يخص التعليم, حيث إن وصول المعدل إلى هذه النسبة المرتفعة 1:11, إنما جاء بسبب ترامي أطراف الجغرافيا السعودية, وبالتالي فإن هذه النسبة قد تصل في بعض القرى في المملكة إلى معلم واحد لكل طالب, لكن لا يمكن التصديق أن هذا هو المعدل القياسي للتعليم في السعودية. وهذه المعدلات - إن صحّت!- فهي تنقل السعودية إلى الصفوف الأولى عالمياً في مجالي الصحة والتعليم, ومع الأسف لن يوافق على هذه المعدلات إلا من يعلنها, أما المواطنون فإن معاناتهم اليومية تنفي هذه الأرقام جملة وتفصيلا, بل إن ذكر هذه الأرقام عياناً بياناً للمشاهدين كمعدلات قياسية يعتبر استخفافاً بعقول المواطنين وتضليلاً للمسؤولين في آن واحد.
في رأيي يجب أن نبحث عن إجابات مقنعة للأسئلة التالية:
* من المسؤول الحقيقي عن تحديد أولويات التنمية في المشاريع؟
* من المتهم الحقيقي في قصور المشاريع المنفذة؟
* ما الجهة التي تتحقق من حسن تنفيذ المشاريع؟ وإن لم توجد فلماذا لا يتم إيجادها؟
* هل المفاوضات التي تقوم بها وزارة التخطيط مع الجهات الحكومية تتم على المشاريع أم على تكلفتها؟
* كيف تتولد القناعة بصحة المبالغ المقدرة للمشاريع, التي تقدرها الجهات الحكومية؟
* كيف يتم تحديد مبالغ المشاريع ومناقصتها لم تتم بعد؛ ما يعني أن المبالغ المحددة في الموازنة أصلاً وتم اعتمادها, ستتم الترسية لها بمبالغ مختلفة؟