الملك ونهضة التعليم العالي

تعيش بلادنا - المملكة العربية السعودية - مرحلة فريدة ترتكز على الإصلاح والبناء، جعلتها أنموذجاً مثالياً صنعته حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يرعاه الله - حتى تبوأت بلادنا خلال مدة حكمه مركزاً متقدماً في سلم النهضة والتطور، يصعب على النظراء تحقيقه بالنظر إلى حجم المنجزات، ولكن هذا لم يكن مستحيلاً في نظرة ملك يتطلع إلى القمة بوعي، ويقود بلاده بحزم، ويمسك الأمور بثبات، ويؤمن بأن العوائق إنما تكون في النفس لا على الأرض، وبهذه المقومات وغيرها في شخصية القائد حلقت بلادنا عالياً في سماء التميز.
ولعل ما يؤكد تميز شخصية قائد البلاد - يحفظه الله - حصوله على عدد من الجوائز التقديرية المحلية والعالمية، كجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وجائزة "برشلونة ميتينج بوينت" العالمية لرؤيته الثاقبة بإنشاء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، واختياره الشخصية الأولى الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم الإسلامي حسب استطلاع مركز "بيو" الأمريكي، وحصوله على جائزة الملك خالد للإنجاز الوطني، وغير ذلك من الجوائز.
وعلى الصعيد الداخلي تتجلى ملامح الإصلاح والبناء في سياسة خادم الحرمين الشريفين في عدد المشاريع المطروحة والمعتمدة والجاري تنفيذها ما بين طرق ومنشآت صحية وسكك حديدية وموانئ ومدن اقتصادية ضخمة وغيرها من المشاريع العملاقة التي ستغير خريطة الوطن، وتسهم في رفاهية المواطن، وتبعث في نفسه إحساساً بانتمائه إلى بلد متميز حقيق بالفخر، وولائه إلى قائد فذ لا يشغله غير الإصلاح والبناء. ويتعزز هذا الإحساس حين نرى سياسته الصارمة - أيده الله - في محاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين، وتوجيهه بإغلاق باب التسامح أو العفو عن الممارسات والتجاوزات التي يكون ضحيتها حياة المواطن وممتلكاته، ومسارعته المدفوعة بمشاعر الأبوة والإحساس بالمسؤولية لمعالجة الأضرار الناتجة عن التقصير، وتعويض المتضررين بسخاء مساندة لهم.
أما على الصعيد الخارجي فإن بصمات قائد بلادنا - يرعاه الله - تجسد سعة أفقه وبعد نظرته ورغبته الملحة في أن يكون العرب والمسلمون أولاً ثم العالم كله متصالحاً متعايشاً في سلام بلا حروب أو نزاع أو توتر. إنها الهمة السامية التي لا تحصر اهتمامها وجهودها في حيز حدودها الجغرافية فحسب, بل توجه شطراً من الجهود لما يخدم صلاح العالم كله, فكم من مبادرة إصلاحية كانت وراءها جهود خادم الحرمين الشريفين تنسيقاً ومتابعة, وكم من خلاف سعى حثيثاً فجمع أطرافه باذلاً وسعه حتى تحقق الصلح وذاب النزاع. ولم تقف جهوده الإصلاحية - أيده الله - على ذلك فحسب, بل تجاوزه بثاقب نظره وعميق حكمته إلى عقد حوارات بين الحضارات والأديان للتقريب بينها سعياً لتأسيس ثقافة التسامح ونشرها ليكون العالم أسرة واحدة تتعايش بمحبة وسلام على اختلاف أعراقها وأديانها. وعزز ذلك بإطلاقه جائزةً عالمية للترجمة تهدف إلى مدّ جسور الصلة مع الثقافات الأخرى، ونشر مفاهيم الانفتاح والتحاور الإيجابي مع الآخر. ولعل استضافة منظمة اليونسكو في باريس حفل تسليم هذه الجائزة في دورتها الثالثة لهذا العام يجسد عالميتها وصداها الواسع.
إن ذلك الوعي الشمولي لدى خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - يكشف عن شخصية ذات نمط فريد في سجل الزعماء, شخصية تحتضن هموم الداخل والخارج, وتحس بمسؤوليتها تجاه العالم بكل ما يعتلج فيه من أحداث, وخصوصاً تلك التي تمس واقع العرب والمسلمين.
ولعل من أبرز ملامح القيادة لدى سيدي خادم الحرمين الشريفين أيده الله تركيزه على النهضة في التعليم العالي إيماناً منه بأن التطور لا ينطلق إلا على عجلة التعليم، وبقدر ما يكون التعليم مؤسساً ومتطوراً تكون عربة التنمية أسرع انطلاقاً وأبعد مدى، ولذلك هبَّ قائد البلاد يرعاه الله إلى إصلاح واقع التعليم ففتح أمامه الأبواب، وأغدق عليه العطاء، حتى لم يدع للمقصِّر عذراً بعد أن صار الطريق رحباً لمؤسسات التعليم الراغبة في التميز، وهو ما يجب عليها العمل عليه وفاءً لقائد النهضة، وأداء لواجب الأمانة، وتحقيقاً لما تمليه متطلبات المسؤولية والوطنية والطاعة لولي الأمر.
وتثبت متغيرات الأرقام في قطاع التعليم العالي مدى محورية هذا القطاع في رؤية خادم الحرمين الشريفين - يرعاه الله - حيث قفز عدد الجامعات في عهده الزاهر من ثماني جامعات إلى (25) جامعة، وبات التعليم يغطي (89) محافظة من محافظات المملكة بعد أن كان مقصوراً على المدن الكبرى فقط، كما دعم - يحفظه الله - مرافق هذا القطاع بالبني التحتية ومشاريع الإسكان بمليارات الريالات، وأسس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي ستكون منارة إشعاع معرفي لبلادنا، كما بادر إلى تحسين أوضاع الهيئة التدريسية في الجامعات بالبدلات والمكافآت، ومنح الحاصلين منهم على براءات اختراع وسام الملك عبد العزيز بدرجَتَيْه الممتازة والأولى. يضاف إلى ذلك اهتمامه ببرامج تقنية النانو ومبادرته لتشجيع تطبيقاتها ودعمها، هذا إلى جانب تأسيسه برنامج الابتعاث قبل خمس سنوات، وتوجيهه أخيرا - يرعاه الله - بتمديده خمس سنوات أخرى لإتاحة الفرصة لأكبر شريحة من الطلبة, ليبلغ عدد المبتعثين بعد هذه المكرمة الكريمة ثمانين ألفاً يدرسون في أعرق الجامعات في عدد من الدول المتقدمة، سيسدون احتياج بلادنا بالكفاءات الوطنية المؤهلة في تخصصات نوعية مختارة، كما سيكون لهم - بإذن الله - الدور البارز في مجال الإبداع والابتكار لتنتقل بلادنا إلى الإنتاج المثمر في العلوم كافة بعد أن ظلت زمناً مستهلكة فقط, وهو ما يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله.إن إعادة رسم خريطة التعليم العالي في بلادنا بيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - تعبر عن قناعته الراسخة بأن البناء إنما يبدأ في الإنسان نفسه، فبناء العقل هو الخطوة الأولى نحو بناء الوطن، والاستثمار في العقل إنما يأتي سابقاً للاستثمار في الأرض، إنها الحكمة الخالصة، والنظرة الثاقبة التي صنعت لبلادنا مجداً غير مسبوق.
وكانت جامعة الملك سعود من الجامعات التي استثمرت توجه قائد البلاد - يرعاه الله - نحو النهضة بالتعليم العالي، حيث سارعت الجامعة لمسايرة فكر القائد حتى استطاعت أن تحقق منجزات على المستوى الدولي رفعت راية الوطن وجعلت اسم المملكة العربية السعودية مألوفاً في الأوساط العلمية العالمية بعد تحقيقها المركز الأول عربياً وإسلامياً وشرق أوسطياً وإفريقياً، ودخولها ضمن نادي أفضل 500 جامعة على مستوى العالم حسب تصنيف شنغهاي الشهير، ولم يكن هذا ليتحقق بعد تيسير الله - إلا بما تلقَّتْه الجامعة من لدن خادم الحرمين الشريفين من دعم ومساندة. وأود التأكيد هنا أن منجزات الجامعة الحالية ليست سوى البداية صوب منجزات أخرى ستجسد حجم العمل الدؤوب داخل أروقة الجامعة لتحقيق ما يرضي قادة البلاد - يحفظهم الله.
أسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو نائبه الثاني، وأن يديم عزهم وتمكينهم، وأن يسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه .. إنه سميع مجيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي