الاتفاق النووي الإيراني .. انحسار أم انتصار؟

ربما يعتقد البعض أن ملف التسلح النووي الإيراني شديد الوطأة على رؤوس أطرافه، وربما يعتقد البعض أنه يدفع لإشعال فتيل المنطقة، في حين أن التسلح النووي لا تتبين أي ملامح لمشروعه سوى التقويض بين أوضاع قلقة وغير مستقرة تشهدها إيران والمنطقة، وبين استدعاء الصراع حول المراكز والعلاقات والنفوذ.
يبدو أن كل المحاولات الأمريكية لا تصب في خانة إيقاف التسلح النووي الإيراني، وإنما تعمل على مشاريع وأدوات تتصل بواقع أهدافها في المنطقة وتسعى إلى التأثير فيها.
الراصد للمشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة يدرك أن السلاح القانوني أصبح سمة بارزة في المشهد السياسي, فاجترار الأحداث يعكس لنا هذا التوجه (إسرائيل وما أعلنته أخيرا من إعداد حملة قانونية ضد السعودية، إسقاط نظام صدام وأرجعكم في ذلك إلى مقالي عام 2004 بعنوان «العراق الاحتلال العسكري أم الاحتلال القانوني»). وهو الحال والشأن بالنسبة لاستخدام إيران الأدوات القانونية لبرنامج تسلحها النووي واستغلالها القواعد القانونية نحو تطويعها لمصلحة هذا البرنامج. (اتباعها إخطار الوكالة الدولية للطاقة النووية واتفاقية حظر انتشار الأسلحة واختيارها تركيا والبرازيل عضوين في مجلس حكم الوكالة الدولية للطاقة النووية).
الحالة الإيرانية رغم كل الصور المتشائمة لمستقبل إيران تعتمد في ممارساتها على الاستفزاز السياسي والقانوني الحذر بقدر من الذكاء, وهو ما جاءت به هذه الاتفاقية محاولة لاستفزاز أمريكا وتحقيق طلباتها, لكن بالشكل الذي تريده طهران، وتلاقى هذا مع مصالح تركيا والبرازيل. في الوقت الذي تنادي فيه أمريكا باعتبارها الحارس لمصالح الغرب بالتصدي لما سمته محور الشر ومنها إيران, التي تجيد بعناية قراءة ردود فعل الخصم وتحاول أن تجد لها مكانا دون أن تقع في الشرك.
وعلى الرغم من عدم معالجة الاتفاقية الإيرانية ــ التركية قضية التسلح النووي الإيراني إلا أنها ستسهم في إعادة بلورة وصياغة العقوبات، وسيكون السجال والحوار والنقاش حولها بما يمكن إيران نحو تطوير برنامجها النووي دون إزعاج، وستسحب إيران التحالف الأمريكي ضدها إلى ضغط التشويش على مخططاته للخروج من إطار الترديد إلى إطار الاستشكال وتحريك الرأي العام إلى جانبها ولو بنسب ضئيلة حول قضاياه الأساسية.
هذا الاستنتاج ليس مبعثه رد الفعل الدولي على اتفاق طهران, بل لأن ثمة محاولة لمحاصرة القوى الإيرانية التي كشفت الأيام أطماعها ووظفت نتائج الصراع في المنطقة لمصلحتها.
ولذا لا تلوح في الأفق نذر معركة عسكرية، إذ إن الدور الأمريكي هو إفشال مشروع وليس ابتداع صيغة لإنقاذ المنطقة وإيران من مأزق النظام.
لن تكون قضية السلاح النووي الإيراني سوى ملامح غاية في الاضطراب والبشاعة عندما يتبين القادم الخفي وانكشاف ما وراءه.
معضلة الملف النووي هي التداخلات بين مشروع إيراني لا يحظى بالثقة وبين مشروع آخر لا يحمل من ملامح المشروع سوى التقويض وفق أجندة أمريكية.
أمريكا تراهن على أن إيران تعاني الضعف الداخلي اقتصادياً واجتماعياً وسياسيا, لذا فهي تستخدم سياسة النفس الطويل, ولها سابقة ناجحة في التجربة الروسية «إجهاد الخصم», فالحالة غير متكافئة بين أطراف الصراع، والراجح إضعاف وإنهاك التلميذ المشاغب ( الذكي) إيران.
الهدف ليس إسقاط إيران وإنما أن تكون إيران الدولة المنضبطة بحيث لا يكون لها نفوذ في المنطقة أكثر مما تقرره أمريكا, والأهم كيف تنضبط إيران وفق قوانين منطقة الشرق الأوسط, لكن الانضباط لا يعني أن يسود السلام, بل أن تتحرك إيران وفق حدود معينة وأجندة مرسومة سلفاً.
الاتفاق الإيراني لم يعزز قيمة الحوار, ولم يدعم الفكر حول التسلح النووي لإيران ولم يخرج بتوافق بعد اختلاف طويل ولم يقدم حلا جوهريا للمشكلة.
وبين هذا وذاك, فالأمر لا يتعدى الانحسار دون الانتصار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي