هل نشتري اليورو؟

المشهد الأول: في اجتماع عائلي سألني أحد الحضور عن رأيي في شراء اليورو بحكم انخفاض قيمته مقابل الدولار، ولم يكن سؤالاً عابراً بل عن قصد ونية في الاستثمار في العملة «اليورو»، وله الحق في ذلك فاليورو وصلت قيمته إلى مستويات متدنية مما يغري المستثمرين لشرائه والمضاربة فيه!
المشهد الثاني: في ندوة حول الرهن العقاري سألني الحضور من العامة حول مستقبل العقار، والنصيحة هل هي لمصلحة الشراء أم البيع قبل صدور أنظمة الرهن العقاري؟ ولهم الحق في ذلك أيضاً، حيث إن الصورة الضبابية حول صدور الأنظمة وصعوبة التوقعات وأهمية العقار كمخزن للقيمة لدى كثير من المواطنين تضع هذا السؤال في أولوية القائمة المنطقية لاستفسارات المستثمرين.
المشهد الثالث: وهو الأكثر في المحافل حين يأتيك السؤال يتهادى الهوينى، متى يصل السوق إلى القاع؟ ومتى نشتري؟ وماذا نشتري؟ ومتى نبيع؟ ولهم الحق في هذه الأسئلة حيث السوق العجيب لا تحكمه قواعد ثابتة ولا منطق عاقل!
هذه المشاهد الثلاثة التي تعرضت لها ومثيلاتها كثير، ويتعرض كثير من الزملاء لمثلها وأكثر، وهي للأسف لا تصدر من صغار المستثمرين فحسب بل وحتى بعض الكبار منهم! وإجابتي الدائمة عنها: «بأن المسؤول ليس بأعلم من السائل»، وهي في نظري أسئلة إنما تدل على ضمور في الثقافة الاستثمارية في المجتمع، لماذا؟ إليكم رأيي حول المسألة:
فالسائل عن اليورو مثلاً لم يسأل عن مبررات انخفاض قيمة اليورو، وهل هي عوامل مستمرة أم لا، ولم يسأل عن احتمالية الانخفاض أكثر من هذه المستويات، ولم يسأل عن التوقعات لزيادة القيمة مرة أخرى، والأدهى والأمر أنه لم يفكر في إيكال الأمر إلى المتخصصين في المتاجرة في العملات! وما زلت أذكر عن حالات عايشتها لأناس أعرفهم ممن اشتروا الليرات اللبنانية والدنانير العراقية في أيام الحرب، وما زالت مخزنة لديهم وهي لا تساوي حالياً قيمة الورق المطبوعة عليه! وقد خسروا فيها ملايين الريالات.
أما السائلون عن العقار والأسهم فهم أكثر من يعرف أن الإجابة لا يملكها أحد وعلمها عند الله سبحانه وتعالى، ولكنه سؤال من يريد الحجة والتأييد لعمل ما يريد عمله، أو لترك ما يريد تركه، وبالطبع بعد الاستفسار سيقوم كل مستثمر بتنفيذ قناعاته، حيث يعتقد الأغلبية أنهم يفهمون أكثر من غيرهم في كل شيء، فالقلة فقط من المستثمرين في سوق العقار أو سوق المال تقوم بتكليف من يدير استثماراتهم من المتخصصين من الشركات المرخصة في السوق ولديها الكفاءة والخبرة للقيام بهذا الدور.
في حقيقة الأمر أن المشكلة لم تتولد من المواطنين فقط، ولكن الأدوات الاستثمارية في السوق لا تزال قاصرة وعاجزة عن تحقيق متطلبات صغار المستثمرين، كما أن كثيرا من الشركات الاستثمارية (البنوك سابقاً) خذلت المستثمرين عندما أحرقت مدخراتهم في الصناديق الاستثمارية وأحرقت معها الثقة والمصداقية.
فلنتخيل أن مواطناً جمع مدخراته البالغة 100 ألف ريال تزيد أو تقل، يرغب في استثمارها بشكل مجد، فما خياراته المتاحة التي لن تخرج عما يلي:
1) المضاربة في سوق المال مباشرة، وهذا أعلى الاستثمارات مخاطرة، ويفترض ألا يقدم عليه إلا المتخصصون.
2) وضع المبلغ في محفظة استثمارية، وهذه لا تختلف عن سابقتها، إلا أنها تدار بأيدي متخصصين في مجالات السوق.
3) أن يضعها في محافظ استثمارية قليلة المخاطر، وعوائدها لا تزيد على 3%، وهي نسبة تكاد تقضي عليها الزكاة الشرعية! لذلك فهي خيار مناسب كحل مؤقت للأموال.
4) استثمارها في صناديق عقارية، ولكن للأسف الصناديق التي رخصت قليلة جداً، ورؤوس أموالها بسيطة جداً مقارنة بحجم السوق، ولا تغطي احتياجات المستثمرين.
5) وضعها في مشروع تجاري، وعيوب هذا الخيار عديدة، حيث إن رأس المال الصغير بهذا الحجم بالكاد يكفي المستثمر المضارب ليفتح بقالة أو محل حلاقة، وبالتالي فشريكه المرتقب سيكون طرفاً أجنبيا، يبدأ عاملاً تحت إمرته وينتهي المطاف بالعامل ليصبح هو صاحب العمل، ويتحول المستثمر إلى متستر كما هي معظم الدكاكين المنتشرة في المملكة! هذا إذا حالفه التوفيق ولم يعرض للتقبيل في سنته الأولى!
إن معضلة القنوات الاستثمارية لصغار المستثمرين كانت السبب الأول في رواج عمليات النصب التي وقع فيها كثير من المواطنين والمقيمين، وللأسف فقد طالت هذه العمليات العامة والمتخصصين بل وبعض من تظن أنه لا يمكن أن يقع في حبائل ألاعيب المحتالين، وأبسط مثال لها شركات توظيف الأموال التي أكلت أموال الناس وأحرقت الأخضر واليابس، وقد كانت المساهمات العقارية ملاذاً لهؤلاء، وبالرغم من السلبيات العديدة للمساهمات العقارية إلا أنه تاريخياً لم توجد قناة استثمارية أسهمت في تشغيل أموال المواطنين أكثر أمناً وبأعلى عوائد مثل ما فعلت المساهمات العقارية.
إن خسائر صغار المستثمرين في سوق الأسهم لها أسبابها التي من أهمها الثقافة الاستثمارية التي تنقص كثيرا منهم، إضافة إلى قلة القنوات الاستثمارية المتاحة في السوق، وضعف الجودة في مخرجات السوق الاستثمارية وسوء الأداء للصناديق الاستثمارية تاريخياً مقارنة بالسوق ككل.
ما الحل؟ أعتقد أن الحل ممكن ويحتاج إلى تضافر الجهود للوصول إليه، وفي رأيي أن المقترحات التالية ستساهم تدريجياً في تلبية احتياجات صغار المستثمرين:
1- رفع مستوى الوعي لدى المستثمرين، عن طريق وسائل الإعلام، والمؤسسات المالية والمناهج التعليمية خاصة في المرحلتين الجامعية والثانوية.
2- تقييد صغار المستثمرين من المضاربة في الأسواق العالية المخاطر، مثل سوقي الأسهم والعملات.
3- قيام البنوك بدور أكثر إيجابية في توجيه صغار المستثمرين، بحيث تكون البنوك العين الحانية التي تخاف على مصالحهم، وليس يد التاجر الجشع التي تطمع في ما في أيديهم.
4- زيادة عدد الصناديق العقارية، وتحفيز الشركات المالية والمطورين العقاريين لتأسيس مزيد منها.
5- إدراج مزيد من الشركات في سوق المال.
6- إيجاد سوق لتداول الصكوك.
7- فتح المجال للمساهمات العقارية، بعد ضبطها من الناحيتين القانونية والإجرائية لمنع التلاعب والفساد لدى بعض ضعاف النفوس المستغلين جهل المساهمين وحاجتهم.
أخيرا .. نصيحتي لكل مستثمر صغير بأن يفوض أموره الاستثمارية إلى الله أولاً ثم إلى المؤسسات المرخصة سواء لإدارة محافظ الأسهم أو للاستثمار العقاري أو للمتاجرة بالعملات، أو أن يقوم بالاستثمار في السوق المالي ليس على سبيل المضاربة، ولكن طمعاً في العوائد وارتفاع القيمة السوقية للسهم، مع الأخذ في الاعتبار توزيع استثماراته التوزيع المنطقي، أخذاً في الاعتبار درجات المخاطرة ومعدلات السيولة وتوزيع الأنشطة، وفي جميع الأحوال على المستثمر الصغير أن يستشير الآخرين وألا يستشير إلا من يثق بعلمه وأمانته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي