قانون الغاب والإحسان مقابل الحقوق

بعيداً عن نصوص القانون الجافة وعباراته المملة دعونا نتأمل أنا وإياكم في ثقافة الحقوق لدينا وظهورها في علاقتنا، وما مدى تطبيقنا ما هو موجود في تراثنا الفقهي من تفاصيل دقيقة لمسألة الحقوق والواجبات حتى قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ «لو عثرت دابة في العراق لسألني الله عنها»، فقد استشعر الفاروق عظم المسؤولية فخشي أن يسأل عن عثرة الدابة لأنه لم يمهد الطريق لها. لقد وصلت ثقافة الحقوق إلى درجة مراعاة حقوق الحيوان, وذلك قبل 1400 سنة .. فأين نحن في هذا العصر «عصر الحضارة» من ذلك؟
وكل واحد منا يعي أن المسؤولية ليست مرتبطة بالسياسي فحسب, بل كل شخص منا لديه مسؤوليات مختلفة, وهذه المسؤوليات تتضمن حقوقا للآخرين «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهنالك حقوق للوالدين وحقوق للأبناء وحقوق للزوجة وحقوق للزوج وغيرها كثير من الحقوق في العلاقات الأسرية والاجتماعية. في مجال العمل هناك حقوق للموظف وحقوق أخرى لصاحب العمل، وهناك الحقوق المترتبة على الوظائف الحكومية, وهناك عديد من الحقوق الأخرى التي يصعب حصرها.
المتأمل لتفاصيل حياتنا اليومية من علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية ليجد أن مسألة الحقوق مغيبة, وأن الأمور تؤخذ بين قانون الغاب وإلاحسان .. فكيف ذلك؟ فتجد الواحد منا يتعدى على حقوق الآخرين, حيث إن البقاء للأقوى بناء على قانون الغاب وضعف ثقافة الحقوق والضعف في تطبيق القوانين, وفي الوقت نفسه يعمل أعمالا يعتقد أنه من باب الإحسان, خاصة حين يرى ردة فعل الناس، فهذا يسرق من الأموال العامة متبعاً قانون الغاب ويعطي الهبات كي يحظى بإحساس المحسنين، وآخر مقصر في واجبات وظيفته الحكومية لوجود قانون الغاب ويمتدح في الصحف لأدائه جزءا من واجبات هذه الوظيفة, فهذا يحقق له شعور الإحسان، وثالث يظلم زوجته ويتعدى على بعض حقوقها لأنه يعتبر أن أداءه حقوقها الأخرى من باب الإحسان، والأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا المجال.
هؤلاء جميعا من ناحية يتبعون قانون الغاب, قانون البقاء للأقوى بغض النظر عن القيم الأخلاقية والحقوقية, وفي الجانب الآخر تجدهم مرتاحي الضمير بل تجدهم محسنين! الإشكالية ـ في نظري ـ ليس التعدي على الحقوق, بل ظهورهم بلباس المحسنين, والأعظم من ذلك تأتي هذه النتيجة من جراء أعمال وأقوال من أخذت حقوقهم.
ومن أجل الموضوعية, فالمتابع يرى نقلة نوعية في ثقافة الحقوق لدينا في السنوات الماضية في عدة مجالات تلمسها في الأخبار الصحافية وفي الحوارات والنقاشات في المجالس والمنتديات الإلكترونية, والأهم من ذلك في أروقة المحاكم كما حصل مع مطالبات المعلمين والقضايا العديدة التي رفعت في ديوان المظالم للمطالبة بحقوقهم وغيرها كثير.
لا شك أننا في حاجة إلى مزيد في مجال نشر الثقافة الحقوقية, وبناء على ذلك الانتشار يتأصل لدينا مبدأ الحقوق تطبيقاً لا تنظيرا, ومن النتائج المرجوة أن نكون بعد ذلك حرصاء على أداء واجباتنا وبالدرجة نفسها المطالبة بحقوقنا, فالحقوق في نهاية الأمر لا تعطي, بل تنتزع.
الدور الأكبر في موضوع نشر الثقافة الحقوقية هو على عاتق مؤسسات المجتمع المدني المختصة بالجانب الحقوقي والعاملين في المجال الحقوقي, وكذلك الجهات الحكومية التي لها علاقة بالجانب الحقوقي كهيئة حقوق الإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي