توقعات بارتفاع الإنفاق الفعلي في موازنة الدولة 2010 إلى 588 مليارا
توقع تقرير مصرفي حديث أنّ حجم الإنفاق العام للمملكة سيبلغ في العام الجاري 588 مليار ريال، ما يعني أنّه سيتجاوز الميزانية بنسبة 9 في المائة منها. وخفض التقرير الذي أعده جون إسفيكياناكيس مدير عام وكبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، توقعاته بشأن الفائض المالي لعام 2010، من 4.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي إلى 3 في المائة منه فقط؛ أو ما يعادل 49 مليار ريال. وقد يبلغ إجمالي إيرادات الدولة السعودية نحو 637 مليار ريال.
وكانت ميزانية عام 2010 قد عكست التوجّه التوسيعي للحكومة السعودية بقوّة لأنها قررت زيادة الانفاق العام بنسبة 13.7% فوصلت الميزانية العامة إلى مستوى قياسي تاريخي مرتفع، قدره 540 مليار ريال سعودي. وفي مايو، أشار وزير المالية السعودي، الدكتور إبراهيم العساف، إلى أنّ المملكة تكافح لضمان الالتزام بالميزانية المعلنة قدر المستطاع. وفي عام 2010، وللسنة الثانية على التوالي، خططت الحكومة السعودية لعجز في الميزانية العامة قدره سبعون مليار ريال سعودي. لكنّ توقعاتنا تشير إلى أنّ حجم الانفاق العامّ سيبلغ في العام الجاري 588 مليار ريال سعودي، ما يعني أنّه سيتجاوز الميزانية بنسبة 9% منها. كما أننا خفّضنا مستوى توقّعاتنا بشأن الفائض المالي لعام 2010، من 4.9% من إجمالي الناتج المحلي إلى 3% منه فقط؛ أو ما يعادل تسعة وأربعين مليار ريال سعودي. وقد يبلغ إجمالي إيرادات الدولة السعودية حوالي 637 مليار ريال سعودي.
هذا، ونتوقّع أيضاً حدوث تراجع طفيف في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الجاري، علماً أنها تراجعت بمعدّل 73% في عام 2009، لتبلغ تسعة وثلاثين مليار ريال سعودي فقط؛ وهو أدنى مستوى لها خلال السنوات الخمس الماضية. وطبقاً للهيئة العامة للاستثمار، استهدف 69% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة مشتقات النفط والموادّ الكيميائية والمقاولات والعقارات. وفي عام 2008، تلقّت المنطقة الشرقية 39% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اجتذبتها المملكة، بينما تلقّت المنطقة الغربية 30% منها، والمنطقة الوسطى 18%، والمنطقتان الشمالية والجنوبية 2.5%.
خلال العقد الماضي، ازداد اعتماد المملكة على التصدير إلى آسيا، الأمر الذي يُعزز تماسك الاقتصاد السعودي حتى في حال امتداد أزمة الديون الأوروبية من اليونان إلى دول أخرى في منطقة اليورو. إذ من المتوقّع أنْ تسجّل الدول الآسيوية، لا سيما الصين والهند، نمواً قوياً خلال العام الجاري رغم الشكوك التي تُحيط بمدى استدامة نمو الصين وبمدى سلامة قطاعها العقاري. وبين عاميّ 2000 و2009، ارتفعت نسبة صادرات المملكة إلى آسيا بشكل كبير: فقد ارتفعت من 4% إلى 21% في حالة الصين، ومن 10% إلى 14% في حالة الهند. وخلال نفس الفترة، ازدادت صادرات المملكة إلى العالم بأكثر من الضعف، بينما ازدادت صادراتها إلى آسيا بأكثر من الضعفيْن.
ومثّل اعتماد المملكة المتزايد على التصدير إلى آسيا وقايةً لاقتصادها من العدوى بأزمات الغرب. فالنمو الاقتصادي الآسيوي يعزّز مجمل الطلب على نفط الخليج؛ وتتوقّع منظمة أوبك أن ينمو مجمل الطلب الآسيوي على النفط بمعدّل 2.2% في عام 2010، علماً أنّ طلب الصين على الخام قد ينمو بمعدّل 5.5%. وفي التقريرها الأخير عن سوق النفط في يونيو، رفعت وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي على النفط من 70,000 برميل يوميا الى 1.68 مليون ، وذلك للطلب من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهذا خبر سارٌّ بالنسبة للمملكة لأنّ 55% من صادراتها النفطية يتّجه إلى آسيا (في مقابل 10.5% إلى أوروبا).
تتمتع المملكة بوضع قوي يُمكّنها من تجاوز أيّ مشكلة قد تواجهها في النصف الثاني من العام الجاري؛ فقد عززت أصولها الخارجية وأعادتها تقريباً إلى المستويات القياسية المرتفعة لعام 2008، كما أوجدت من خلال الانفاق العامّ السخي بيئة تُحفّز القطاع الخاصّ على المشاركة الفاعلة في الاقتصاد. لكنّ هذه المشاركة لن تتحقق بسهولة في ظل الظروف العالمية الراهنة التي تجعلنا نتوقّع استمرار تقلُّب المؤشرات الاقتصادية المحلية، سواء كانت مؤشرات النشاط التجاري أو الائتماني أو حتى نمو إجمالي الناتج المحلي، بدلاً من أنْ تتجه هذه المؤشرات نحو الصعود بشكل ثابت.
ما زلنا نتوقع أنْ يبلغ المعدّل السنوي لنمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي السعودي 3.9%، رغم إمكانية انخفاض معدّل نمو القطاع النفطي إلى ما دون المستوى الذي توقعناه في وقت سابق من العام الجاري، حيث أنّ معدّل الانتاج النفطي قد يصل إلى 8.35 مليون برميل يومياً. ومن المستبعد أنْ ترفع منظمة أوبك سقف إنتاجها خلال العام الجاري ـ بل يبدو أنها قد تُخفّض هذا السقف إذا تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون الخمسة وستين دولاراً لفترة طويلة. لكنّ انخفاض سعر البرميل من مزيج غرب تكساس بواقع خمسة عشر دولاراً منذ مطلع شهر أبريل يمثّل تصحيحاً صحّياً لأسعار النفط المتضخّمة، نظراً إلى ضعف المقومات الأساسية للاقتصاد العالمي. ومن المحتمل أنْ يتأرجح ميزان العرض والطلب على النفط حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري.
وبعدما تجاوز متوسط سعر برميل النفط حدّ الثمانين دولاراً في شهريّ مارس وأبريل، حامت أسعار النفط حول الخمسة وستين دولاراً للبرميل في شهر مايو فانخفض متوسط سعر برميل النفط إلى أربعة وسبعين دولاراً، ومن المتوقّع أنْ تتقلب أسعار النفط في يونيو أيضاً. لذا، خفّضنا مستوى توقعاتنا بشأن متوسط سعر برميل النفط في العام الجاري من ثمانية وسبعين دولاراً إلى ستة وسبعين دولاراً، لأننا نعتقد أنّ أسعار الخام قد تتقلّب خلال النصف الثاني من العام الجاري. يُشار، هنا، إلى أنّ متوسط سعر برميل النفط الخام خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري بلغ تسعة وسبعين دولاراً.
وإذا فاق المتوسّط السنوي لسعر برميل النفط حدّ السبعن دولاراً، فإنّ المملكة مرشّحة لتسجيل فائض مالي خلال العام الجاري، مع أنّ هذا الفائض قد لا يصل إلى المستوى الذي توقّعناه في شهر يناير وقدره 77.9 مليار ريال سعودي، أو ما يعادل 4.8% من إجمالي الناتج المحلي. أما في حال بقاء هذا المتوسط السعري فوق الخمسة وسبعين دولاراً، فإن الدخل العام قد يتجاوز حجم الانفاق العام المتوقّع بشكل كبير نسبياً. وفي حال انخفاض المتوسّط السنوي لسعر برميل النفط إلى ما دون هذا المستوى، سيكون من المحتمل أنْ تكافح الحكومة السعودية لأجْل التقريب، قدر المستطاع، بين الانفاق العام الحقيقي والميزانية المعلنة البالغة 540 مليار ريال سعودي.
في بعض دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة، لا سيما الإمارات العربية المتحدة، أرغمت الأزمة الاقتصادية العالمية العديد من العمال الوافدين على الرجوع إلى أوطانهم بعدما فقدوا وظائفهم. لكنّ البيانات الأولية حول الحوالات المالية للعمالة الوافدة الناشطة في المملكة تعكس حالة مختلفة عن حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنّ الخطّة الرسمية السعودية لتحفيز الاقتصاد المحلي مكّنت البلاد من تفادي الركود الاقتصادي وتسريح أعداد كبيرة من هؤلاء العمال. وفي الحقيقة، ازداد حجم حوالات العمال الوافدين الناشطين في المملكة إلى أوطانهم في عام 2009، بمعدل سنوي قدره 20.3% فوصل إلى 94.5 مليار ريال سعودي، طبقاً لأحدث بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.
وبين عامي 2005 و2009، ازدادت حوالات العمال الوافدين في المملكة إلى أوطانهم بنسبة 84%، وهو ما ينسجم مع الزيادة الكبيرة في عدد تأشيرات العمل الجديدة. ففي عام 2009، أصدرت السلطات السعودية 1.54 مليون تأشيرة عمل جديدة، طبقاً لبيانات وزارة العمل، أي حوالي ضعف عدد تأشيرات العمل الجديدة التي مُنحت في عام 2004. وحدثت هذه الزيادة نتيجةً للنمو الكبير في حجم القوة العاملة في القطاع الخاصّ بعدما وظّفت الشركات السعودية الخاصّة، أعداداً متزايدة من العمال الوافدين على مدى العديد من السنوات السابقة.
فخلافاً للعاملين السعوديين الذين يحتفظون بمعظم ثرواتهم داخل المملكة وينفقون الكثير من أموالهم داخلها، يُحوّل الوافدون، في الغالب، جزءاً كبيراً من مداخيلهم إلى الأوطان الأم بغرض الادخار وتأمين معيشة أُسرهم. وتمثّل الحوالات المالية مصدراً مهماً للعملة الصعبة بالنسبة للدول المستوردة للنفط، مثل الهند وباكستان ومصر، كما تُعتبر أحد المصادر الخارجية للتنمية ومكافحة الفاقة. لكنّ الحوالات المالية الضخمة التي تخرج من المملكة تؤثّر في المستوى العامّ للفائض في حسابها الجاري.
يعكس ميزان المدفوعات ما تدفعه دولة ما إلى الدول الأجنبية لقاء الواردات، بالإضافة إلى الأموال التي تُنقل إلى خارجها، كما يقارن بين مجموع هذه المبالغ ومجموع إيرادات الدولة التي تأتيها من الخارج، بما فيها عائدات التصدير وتدفّق رؤوس الأموال والذهب. وإذا كان مجموع الأموال التي تدخل إلى بلد ما أكبر من مجموع الأموال التي تخرج منه، فإنّ هذا البلد يسجّل فائضاً في حسابه الجاري ـ وهذا يحدث في المملكة العربية السعودية عموماً بفضل صادراتها الضخمة من النفط الخامّ.