حياتنا والديون
في ظل تسارع الحياة العصرية وكثرة المغريات والمتطلبات التي لا يواكبها في العادة زيادة مطّردة في الدخول يلجأ البعض إلى الاقتراض بالدين لمجاراة ظروف الحياة، ومن طرائف المشاهدة هنا عندما يدخل أحد موظفي البنوك إلى أحد المجالس تجد الناس يسألونه عن طريقة أخذ الدين ويتصلون عليه ويسألونه أن يسهل لهم إجراءات الدين فإذا بدأت الأقساط عليه أخذ بالتحسر والتألم والتنفيس عن نفسه في نقد البنك وأنه مغالٍ في أرباحه بل ويتعدى ذلك إلى نقد المنتجات الإسلامية إذا كان التمويل مجازاً من هيئة البنك ويلوم المشايخ على سكوتهم عن مثل هذا الظلم في رأيه! بل إنه من أعجب ما رأيت أن أحدهم عندما كبّل نفسه بالديون أصبح يبحث عن قشة تنقذه مما هو غارق فيه فرفع دعوى على أحد البنوك بأن منتجها التمويلي غير شرعي واستند على فتوى لأحد المشايخ بالتحريم ويطالب البنك بدفع جميع ما دفعه لهم وبتعويض نفسي عما لحق به وعندما أحضر البنك قرار الهيئة الشرعية التي لديه والعقود موقعةً من أعضائها حكم لمصلحة البنك وأسقطت دعواه.
والدين أمره عظيم فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الديّن). وهذا يدعو إلى مزيدٍ من التأني والتروي قبل الإقدام عليه فهل الدين له حاجة ملحة؟ أم أنه مجرد للتوسع والترفيه؟ فشراء السيارة مثلاً من الضروريات ولكن تجد من يقسط سيارة فارهة لا تتناسب مع دخله المتواضع وخاصة فئة الشباب فإذا بدأ حياته بالدين كيف سيتزوج؟ وكيف يشتري منزلاً؟ وكيف سيوفر لأبنائه الحياة الكريمة وقد ذبح نفسه من غير سكين؟!. وبعضهم يقترض من أجل الاستثمار وفي هذه الحالة قد عرض نفسه لمخاطرتين الأولى تعثره في سداد الدين والثانية خسارته المال المقترض ومن أبجديات استثمار الأموال أنه مال زائد عن حاجة الإنسان فعلى المرء ألا يغامر ويسأل المختصين قبل الإقدام على أي فكره حتى لا يعرض نفسه للمخاطر. كما أنه من المشاهد أن الشخص الذي عليه دين لا يفكر عادة في الاستثمار والإنتاج بل يفكر ألا تأتي نهاية الشهر وهو يحتاج إلى دينٍ آخر! فإذا سدد ما عليه من ديون والتزامات بدأ في التفكير في دينٍ آخر لأن الديون تشبه إلى حدٍ كبير عملية الإدمان فإذا ذاقها الشخص يحتاج في العادة إلى جلساتٍ علاجية للإقلاع عنها.
والإسلام عندما أجاز بيوع الآجال لعلم الله - عز وجل - حاجة الناس إليها، ولكن الإسلام لا يريد المجتمع المسلم مجتمعاً غارقاً في الديون ويلهث لسداد الديون بل يريد أن يبقى المجتمع المسلم مجتمعاً قوياً عزيزاً لا يقهر ولا يغلب بالدين وفي الوقت نفسه متماسكاً فيما بينه فهو حث على الصدقة حتى لا يحتاج المسلم إلى الدين، وأمر بإعطاء المدين من الزكاة حتى يسدد دينه، وأمر بإنظار المعسر أو التصدق عليه بمسامحته وعدم الأخذ منه. بقي أن أقول إن الدين ليس مشكلة في ذاته فهو سلاح ذو حدين بحسب استخدامه فقد يضيّق على الإنسان حياته، وقد يفرّج كربته ويوسع عليه، لذا من المهم التعامل بحذر فلا يقترض الإنسان إلا لحاجة وأن يشكل الدين جزءا من دخله ولا يسمح بأن يتجاوز هذا الجزء، أسأل الله أن يعيذنا جميعا من المأثم والمغرم.