الصين وإيران (2)
تتكشف طموحات الصين السياسية يوما يعد يوما، ويتابع مؤيدوها بإعجاب الخطوات الكثيرة التي اتخذتها لفتح أسواق جديدة والحصول على نصيب في المصادر الطبيعية, خاصة النفط. ويربط خبراء السياسة بين هذا المخطط الكبير وما يجري من تطورات على أرض الواقع بين الصين وإيران.
ونظرة على خريطة آسيا تكشف الخط البياني الذي يصل الصين بإيران, فإذا هو قوس يمتد عبر المحيط الهندي ليطوق الهند الصينية (فيتنام, تايلاند, كمبوديا, لاوس, وبورما), الهند, باكستان, بنجلادش, أفغانستان, وإيران. والمتابع للمشاريع الصينية المهمة في الأعوام الـ 30 الماضية يجدها تتمركز في هذه الدول. وتبقى إيران الجائزة الكبرى، فهي جنة زراعية وبحر نفطي وشخصية سياسية مميزة لأنها تتحدى الأسد المرعب (الولايات المتحدة).
من هنا جاء الوصف الدقيق بأن إيران هي اللؤلؤة في عقد الصين البحري، ولذلك نرى الصين تكثف وجودها البحري في المحيط الهندي وبحر العرب. وطالب الأدميرال ين زو بإقامة قاعدة بحرية دائمة في خليج عدن على خلفية العلاقات المتميزة مع اليمن الجنوبي قبل توحيد اليمن.
ويدعم مطلب الأدميرال أن القاعدة الوحيدة المتاحة أمام القطع البحرية الصينية هي قاعدة فرنسية قديمة في جيبوتي يستخدمها الصينيون للصيانة وإعادة تموين السفن. ورغم أن الأدميرال ين زو لم يحدد مكان القاعدة المطلوبة، إلا أن التوقعات تتجه نحو إيران، ويشجع على فرضية حدوث ذلك أن العلاقات الصينية ـ الإيرانية وتعاونهما الوثيق في مجال تأمين الطاقة, تحتم اتخاذ هذه الخطوة, التي تبدأ باستقبال زيارات السفن الصينية إلى بعض الموانئ الإيرانية الصغيرة، تمهيدا لتخصيص إحدى الجزر الإيرانية في الخليج لفائدة الصين. والمتابع لأزمة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران يلاحظ أن إيران لن تتردد في استخدام ورقة الصين في مواجهة الضغط الأمريكي, الذي قد يتحول إلى عمل عسكري عبر هذه الجزر. ويستدل أصحاب هذا الرأي على صحة ما ذهبوا إليه اعتمادا على محادثات حلف الأطلنطي مع الإمارات حول اتفاق لوضع الجنود في مواجهة التهديد النووي الإيراني.
وتقوم الصين حاليا باتباع استراتيجية ثانية قوامها استخدام البحرية لتأمين مواردها من الطاقة وإنشاء خطوط أنابيب جديدة، فإلى جانب ميناء جوادار في باكستان, الذي اعتاد استقبال السفن الصينية، تقوم الصين بإنشاء خطوط أنابيب غاز ونفط من وسط آسيا إلى غرب الصين تفاديا للمرور بطرق بحرية مهددة وغير آمنة.
والطريف أن الغرب خطرت له فكرة بناء طريق جديد يربط أوروبا بآسيا نفسها، لكن الصين أخذت الأمور بجدية أكبر وانطلقت بخطى أسرع في هذا الصدد. وقامت بالتفاوض مع كل من روسيا وقرقيزيا وأوزبكستان كي تسمح لها هذه الدول بتمرير بضائعها إلى تركيا وإيران والاتحاد الأوروبي. بل إن الصين تبني الآن خط سكة حديد (بضائع) من مشروع أيناك للتنقيب عن النحاس في أفغانستان إلى جوادار في باكستان لتتمكن من نقل البضائع من الشرق الأوسط وإفريقيا عبر وصلات السكك الحديدية عبر باكستان وأفغانستان وطاجاكستان إلى غرب الصين. ويبين لنا هذا كيف أن الصين في غاية الجدية نحو استعادة خطوطها البحرية والبرية التي كانت مسرحا لطريق الحرير في الماضي.
وتستغل إسرائيل هذه التطورات للتحريض على ضرب إيران ضربة جوية محكمة وسريعة لأنها ستنعم قريبا بدعم صيني يجعل ضربها أصعب. ويستدل الكتاب الإسرائيليون على ذلك بما يلي:
أولا: أن إيران دخلت مجموعة شنغهاي كمراقب تحديا للولايات المتحدة.
ثانيا: أن إيران تعلن أنها ستحول دون تمدد حلف الأطلنطي في منطقة آسيا الوسطى، وهو مخطط أمريكي غير خفي.
ثالثا: أن ما يصل إلى الصين من مضيق هرمز لا يتجاوز 6.6 في المائة من احتياجاتها النفطية.
رابعا: تفوق الصين على الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري مع إيران.
خامسا: الدعم الصيني للبرنامج النووي الإيراني كما تروج دوائر الإعلام الأمريكية والإسرائيلية.
كل ذلك يدحض فكرة موافقة الصين على العقوبات التي تطبخها الولايات المتحدة في مجلس الأمن، وليس من المتوقع اتخاذ الصين موقفا سلبيا من الولايات المتحدة كما فعلت أثناء أزمات العراق وأفغانستان رغم كل ما تتصف به السياسة الصينية من انتهازية وحرص على المصلحة الصينية فقط دون أية مراعاة لمصالح الآخرين.
وثمة اتهام آخر للصين يتمثل في أنها تتعاون مع إيران لحفر أنفاق بتكنولوجيا متفوقة، وهي أنفاق تستهدف إسرائيل من خلال حزب الله. ويقول الإسرائيليون إن الأنفاق التي اكتشفوها على الحدود الشمالية لإسرائيل، كانت على درجة عالية من الراحة من حيث الكهرباء والتهوية والتأثيث والماء البارد, ما يشي بأنها من صنع الصين وكوريا الشمالية.
ونشرت مصادر غربية أن مجلة جيش التحرير الشعبي الصيني نشرت تقريرا عن الأنفاق التي بناها سلاح المدفعية الصيني لإخفاء الصواريخ بعيدة المدى، واستطردت هذه المصادر لتضيف أن الصين ستقدم هذه التقنية لإيران لإخفاء صواريخها وأسلحتها النووية. خاصة أن الصين عدت هذه الأنفاق (بعضها يصل إلى 100 متر تحت سطع الأرض) كانت الدرع الواقية لصواريخ الصين.
ورغم ضعف الأدلة على تشعب أوجه التعاون الصيني - الإيراني نلاحظ اتجاها واضحا في إعلام الولايات المتحدة - وبالطبع إسرائيل - على تضخيم هذا الاتجاه، ضربا لعصفورين بحجر واحد. تخويف الصين من ناحية وزيادة جرعة الاستعداء الذي يسبق العدوان على إيران من ناحية أخرى.
فلاحظ مثلا الحديث عن انتهاكات الصين وكوريا الشمالية اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وتجاوزاتهما في إنتاج أسلحة الدمار الشامل (كيماوية وبيولوجية ونووية). بل إن الصين رفضت التوقيع على مبادرة تأمين الانتشار النووي وأعطت إيران وكوريا الشمالية حق استخدام مجالها الدولي وموانئها، ونشرت ''التايمز'' أن الصين سمحت لطائرات إيرانية بحمل صناديق خشبية عملاقة تقول الصحيفة إنها صواريخ. فضلا عن اكتشاف قيام الصين بمساعدة إيران بمنحها أجزاء نووية تدعم برنامجها النووي. كما أن كوريا الشمالية هي المنطقة العازلة بين الصين والقوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية، فإن إيران ستصبح المنطقة العازلة بين الولايات المتحدة, التي تبسط نفوذها على الخليج, وبين الصين.
ويمكن القول إن ما يجرى الآن هو إعادة لسياسة حافة الهاوية, حيث يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه يعرض السلام للخطر. وكلمة الحق والعدل هي أن الطرفين الإيراني والإسرائيلي (أحرص دائما على استبعاد ''الأمريكي'' لأن إيران النووية لا يمكن أن تهدد أمريكا التي واجهت خمسة آلاف قنبلة روسية وثلاثة آلاف صينية) في معركة يسهل حسمها، إذا ما تخلى الجميع, خاصة إسرائيل, عن الأسلحة النووية, أو ما تسميه سياسة الغموض النووي.