فرنسا وسراب الحرية
يبدو أن فرنسا تصر في علاقتها مع الجالية المسلمة في كل مناسبة على التوحش ومصادرة الحريات التي طالما دندنت عليها فرنسا الحرية وفرنسا الثورة ضد الاستبداد، وهاهو الاستبداد يضرب في جنبات عاصمة النور! وردهاتها البرلمانية، مصادرة حرية جالية مسلمة تقدر بعض الإحصاءات أن عددهم يبلغ ستة ملايين، وتشير إحصاءات أخرى إلى رقم عشرة ملايين، وعلى كل الأحوال فعدد المسلمين في فرنسا قد تجاوز الستة ملايين مسلم، وهو ثقل يمثل حضوراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وقبل ذلك امتداد تاريخي يتجاوز القرن من الزمان. إذ تشير وقائع التاريخ إلى أن الهجرات الأولى من المسلمين كان لها الأثر البالغ في المشاركة في البنية التحتية لفرنسا خاصة فيما يتعلق في شق الطرق وأنفاق القطارات وذلك أن الهجرات الأولى كانت من شرائح العمال، ثم توالت الهجرات من الشرائح المثقفة لاسيما من الشمال الإفريقي.
والحقيقة أن المسلمين في فرنسا يمثلون أنموذجا للتعايش السلمي والمشاركة الحضارية الفاعلة في كافة مناحي الحياة، كما أن لهم ثقلا ومشاركة سياسية من خلال الاتحاد الفرنسي للمنظمات الإسلامية، والحق أن هذا الاتحاد له بالغ الأثر في ضبط إيقاع ممارسات المسلمين وتجنيبهم ردود الأفعال العاطفية التي قد تجر إلى عواقب وخيمة!
وأذكر هنا حادثة حصلت في مؤتمر البرجيه وهو مؤتمر سنوي يعقد في باريس يحضره عشرات الآلاف من المسلمين من جميع دول أوروبا، وفي أحد هذه المؤتمرات حضر الرئيس ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية، وقد تحدث في الحضور، وأشار ضمن حديثه إلى أنه سيلزم المسلمات ببطاقة الأحوال الشخصية بصورة من دون الحجاب! وعندها ضجت القاعة بالاعتراض والصياح والتذمر، وحين هم ساركوزي بالخروج من القاعة أسر له بعض قيادات العمل الإسلامي في فرنسا أن هذا السلوك العفوي التلقائي الذي رأيته يا معالي الوزير يمثل لدينا ظاهرةً صحية ـ نحن الجالية المسلمة في فرنسا ـ فهي دليل أن ليس لدينا ما نخفيه بل ردود أفعالنا معلنة هكذا.
هذا فيما يتعلق بالجالية المسلمة في فرنسا، أما ما يتعلق في قانونية حظر النقاب فقد أدانت منظمة العفو الدولية تطبيق حظر ارتداء الزي الإسلامي الذي يغطي جميع الجسم (النقاب) ينتهك الحقوق الأساسية ويزيد التمييز الذي تعانيه بالفعل النساء المسلمات.
وذكرت المنظمة الحقوقية في بيان لها أصدرته في لندن بعد عملية تصويت على الحظر في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن تطبيق حظر شامل يشكل خطورة تتمثل في مكث النساء في بيوتهن ويحد من أنشطتهن العملية والتعليمية.
وأضاف البيان ''كقاعدة عامة، الحق في حرية الاعتقاد والتعبير يؤكد على أن كافة البشر يجب أن يكونوا أحرارا في اختيار ما يلبسونه وما لا يلبسونه. وطالبت منظمة العفو الدولية الحكومات النظر في تعزيز الجهود لمكافحة التمييز الذي تواجهه النساء المسلمات، في كل من مجتمعاتهن وفي المجتمعات الخارجية التي يعشن بها.
وأضافت المنظمة ''يتعين أن ينصب اهتمامها (الحكومات) على تشجيع النساء علي اتخاذ خياراتهن، بدلا من تضييق نطاق الخيارات المتاحة لهن''.
كما ذكرت وزيرة البيئة في الحكومة البريطانية كارولين سبلمان أن من حق أي امرأة في البلاد أن ترتدي البرقع والحجاب والنقاب. وأضافت أن حرية المرأة في تغطية وجهها أتاحت لها النهوض والتقدم. وقالت إنها كامرأة تعيش في بريطانيا لا تريد أن يحدد لها شخص آخر ما يجب أن ترتديه وما يجب أن تمتنع عن ارتدائه، وجاءت تصريحات سبلمان بعد يوم من إعلان وزير الهجرة البريطاني داميان غرين أن حظر ارتداء النقاب سيكون تصرفا ''غير بريطاني''، وأنه نقيض للمواثيق التي أتاحت نشأة مجتمع متسامح يبادل والآخر الاحترام.
وقالت الوزيرة سبلمان إنها تخالف من يقولون إن ارتداء البرقع يمثل قمعا للمرأة. وأضافت - في مقابلة بثتها شبكة ''سكاي نيوز'' - أنها زارت أفغانستان وأضحت تدرك بقدر أكبر أن ارتداء المسلـمة للبـرقع هو جــزء من ثقافتها، ''والنساء اللاتي يعشــن في بريطانيا يجب أن يكن أحرارا إذا اخترن أن يرتدينه''.
كما أدانت منظمات حقوقية أخرى هذا الحظر ومنها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، فهل تدرك فرنسا معنى الحرية أم تستمر في تحدي مشاعر المسلمين، ونخشى أن يأتي يوم تمنع فيه السواك كما قال زميلنا محمد الأحيدب!