«العمل الدولية»: مؤشرات فشل التنمية «عمالة الأطفال وأزمة إرث الجيل الضائع»

دقت منظمة العمل الدولية مع بداية السنة الدولية للشباب، ناقوس الخطر بسبب بلوغ البطالة بين فئة الشباب أرقاما قياسية، وتفاقمت حدة البطالة مع بروز الأزمة المالية والاقتصادية التي اجتاحت العالم أخيرا، ورغم الأرقام المرتفعة لنسب البطالة عالميا، إلا أن المنظمة تتوقع أن يطرأ تحسن في سوق العمل مع عام 2011 في أغلب أصقاع المعمورة، مستثنية من هذا التحسن منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث سيستمر ارتفاع عدد العاطلين الشبان، وبالأخص من فئة الإناث!

وتشير نتائج التقرير الذي صدر أخيرا عن منظمة العمل الدولية في جنيف، والذي حمل عنوان ''التوجهات العالمية لتشغيل الشباب في 2010''، إلى أن 81 مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 14 و25 عاما، من بين 620 مليونا من الشبان القادرين على العمل كانوا في حالة بطالة.

#2#

ويُظهر تقرير المنظمة، أن من بين 620 مليون شاب ناشط اقتصاديا من ضمن الفئة العمرية بين 15 و24 عاما، بات 81 مليونا منهم في حال البطالة نهاية عام 2009، والرقم هو الأعلى إحصائيا، ويفوق العدد المسجل عام 2007 بـ 7.8 مليون شاب عاطل من العمل. وارتفع معدل بطالة الشباب تاليا من 11.9 في المائة في 2007 إلى 13 في المائة في 2009.
ويتوقع التقرير أن يكون لهذه الاتجاهات ''تبعات خطيرة على فئة الشباب، مع انضمام الداخلين حديثا إلى سوق العمل، واحتسابهم مسبقا في صفوف العاطلين من العمل''. ويحذر التقرير من أزمة إرث ''الجيل الضائع'' المؤلف من شباب تسربوا من سوق العمل، فاقدين أي أمل بالتمكن من العمل لتأمين عيش لائق.

ووفقا لتوقعات منظمة العمل الدولية، قد يتفاقم معدل البطالة العالمية لدى الشباب صعودا خلال السنة الحالية، ليبلغ 13.1 في المائة، ليعود ويسجل انخفاضا طفيفا في 2011 عند 12.7 في المائة. ويشير التقرير أيضا إلى أن معدلات البطالة لدى فئة الشباب أثبتت تأثرّها بالأزمة الاقتصادية، أكثر من معدلات البطالة لدى فئة الراشدين، وأن إمكان انتعاش سوق عمل الشبان والشابات، تتخلف وراء إمكان انتعاش سوق العمل لدى الراشدين.
وجاء في التقرير أن أثر الأزمة على الشباب في اقتصادات ناشئة أو متقدمة، يتجسد في ارتفاع معدل البطالة وفي الأخطار الاجتماعية المرتبطة بالإحباط والتوقف عن العمل لفترة طويلة.

ويشير تقرير منظمة العمل الدولية، إلى أنه في الاقتصادات النامية، حيث يعيش 90 في المائة من الشباب، تُعتبر هذه الفئة أكثر عرضة للبطالة الجزئية والفقر، لكن في البلدان المنخفضة الدخل، أكثر ما يترجم أثر الأزمة الاقتصادية، في تقليص ساعات العمل وخفض الأجور لمن احتفظوا بوظائف مدفوعة الأجر والرواتب، وفي ازدياد الوظائف الهشة في اقتصاد غير نظامي متفاقم الاكتظاظ.

ويقدر التقرير أن 152 مليون شاب أو نحو 28 في المائة من مجموع العاملين الشباب في العالم، ظلوا يعانون فقرا مدقعا في أسر معيشية تكافح للبقاء بأقل من 1.25 دولار يوميا للشخص الواحد في 2008.

وبحسب المدير العام لمنظمة العمل الدولية خوان سومافيا، ''فإن الأزمة تجتاح حياة الفقراء اليومية في البلدان النامية، وتهدد آثار الأزمة الاقتصادية والمالية بتفاقم العجز الموجود في العمل اللائق لدى الشباب. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد الشبان الفقراء الكادحين واستمرت دورة كدح الفقراء لتمتد على مدى جيل آخر على الأقل.

ويفسر تقرير منظمة العمل الدولية ''كيفية تأثير البطالة والعمل الجزئي والإحباط سلبا على الشباب على المدى البعيد، مساوما بآفاق عملهم المستقبلي''. كما تسلط الدراسة الضوء على ثمن الفراغ والبطالة الذي يدفعه الشباب غاليا، وتعتبر أن ''المجتمعات تفقد استثمارها في التعليم، والحكومات تفشل في الحصول على المساهمات في أنظمة الضمان الاجتماعي فتُضطر إلى زيادة الإنفاق على الخدمات العلاجية''.

ويقول سومافيا: ''إن الشباب هم رواد التنمية الاقتصادية. وإن التخلي عن هذه القوة هو تبديد وخسارة اقتصادية من شأنه أن يقوّض الاستقرار الاجتماعي. فالأزمة تتيح أمامنا فرصة إعادة تقويم الاستراتيجيات لمعالجة السلبيات الخطيرة التي تواجه الشباب لدى دخولهم سوق العمل. ولا بد من التركيز على استراتيجيات شاملة ومتكاملة تجمع بين سياسات التعليم والتدريب من جهة وسياسات التوظيف المستهدفة للشباب من جهة أخرى''.

وتفاقمت البطالة بين الشباب في العامين 2007 و2009، بزيادة 7.8 مليون (1.1 مليون في العامين 2007 و2008، و6.7 مليون في العامين 2008 و2009). وبالمقارنة مع الأعوام العشرة السابقة للأزمة (أي من 1996/ 1997 وصولا إلى العامين 2006/ 2007)، ازداد عدد الشباب العاطلين من العمل بمعدل 191 ألف في السنة الواحدة. وارتفع معدل بطالة الشباب العالمي من 11.9 إلى 13 في المائة بين 2007 و2009. وارتفع بين 2008 و2009، نقطة مئوية واحدة، مسجلا التغيّر السنوي الأكبر على مدى 20 سنة من الإحصاءات العالمية المتوافرة، وعاكسا اتجاه معدلات بطالة الشباب المتراجع السائد في فترة ما قبل الأزمة، منذ عام 2002.

وبين العامين 2008 و2009، ارتفع عدد الشباب العاطلين عن العمل بنسبة 9 في المائة، في مقابل زيادة 14.6 في المائة في عدد الراشدين. لكن فيما يخص معدلات البطالة، ظهر أن أثرها على الشباب يفوق أثرها على الراشدين. فقد ارتفع معدل الشباب نقطة مئوية واحدة في مقابل 0.5 نقطة لمعدل الراشدين بين 2008/ 2009. وفي 2008، شكَّل الشباب 24 في المائة من فقراء العالم، في مقابل 18.1 في المائة من البطالة العالمية الإجمالية.
وتواجه الشابات صعوبة أكبر من الشبان في إيجاد عمل. وسجل معدل البطالة لدى الشابات في 2009 معدل13.2 في المائة، مقارنة مع معدل 12.9 في المائة بطالة لدى الشباب الذكور.

وتُظهر الإسقاطات الحاجة إلى فترة انتعاش أطول لدى الشباب مقارنة مع الراشدين، ولا يتوقع انخفاض معدلات بطالة الشباب قبل 2011. وتتوقع منظمة العمل الدولية ازديادا مستمرا في بطالة الشباب العالمية لتبلغ ذروتها وتصل إلى 81.2 مليون شاب، ومعدل 13.1 في المائة في عام 2010. ويتوقع للسنة التالية، انخفاض عدد الشبان العاطلين من العمل إلى 78.5 مليون ومعدل 12.7 في المائة. في حين يرتفع معدل البطالة لدى الراشدين في 2009 إلى 4.9 في المائة لينخفض 0.1 نقطة مئوية في 2010 و2011 فيبلغ 4.8 و4.7 على التوالي.

وعلى صعيد توزيع بطالة الشباب إقليميا، ارتفعت معدلات بطالة الشباب 4.7 نقاط مئوية في البلدان المتقدمة النمو ودول الاتحاد الأوروبي بين 2008 و2009، و3.5 نقطة مئوية في وسط أوروبا وجنوب شرقها، واتحاد الدول المستقلة. وهي أعلى من زيادة أي معدلات أخرى في العالم. أما معدل بطالة الشباب في البلدان المتقدمة النمو ودول الاتحاد الأوروبي فبلغ 17.7 في المائة في 2009، وهو المعدل الأعلى الذي تشهده المنطقة منذ عام (1991)، وهو العام الذي توفرت فيه الإحصاءات الإقليمية.

وتشكل النساء الفئة الأكثر تأثرا بالبطالة في غالبية مناطق العالم باستثناء البلدان المتقدمة النمو ودول الاتحاد الأوروبي، حيث الشباب الذكور هم الأكثر تأثرا. وفي دول مثل إسبانيا والمملكة المتحدة، تفاقمت مشكلة التوقف عن العمل في صفوف الشباب في خلال السنة التي شهدتها الأزمة المالية العالمية، مما تسبب في مزيد من الإحباط لدى هذه الفئة، ودفع تفاقم البطالة ببعض الشبان إلى التوقف عن البحث عن عمل.

وعلى الرغم من توقعات دراسة منظمة العمل الدولية ارتفاع نسبة بطالة الشباب في عام 2010 ليصل عدد العاطلين إلى نحو 3.81 مليون شخص، أي ما يمثل 11.13 في المائة من إجمالي عدد الشبان في العالم، فإنها تتكهن بحدوث تحسن في سوق عمالة الشباب ابتداء من عام 2011. ويتوقع خبراء المنظمة الدولية أن يستقر رقم العاطلين الشبان في حدود 5.78 مليون (أي أن تتراجع نسبة البطالة في صفوفهم على مستوى العالم إلى 7.12 في المائة).

ومع أن هذا التحسن المرتقب ينطبق على مناطق العالم كافة، إلا أنه يستثني المنطقة العربية بدولها الموزعة على منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وفي هذا السياق، يتوقع تقرير منظمة العمل الدولية أن تستمر ظاهرة بطالة الشباب في الارتفاع في العالم العربي حتى في عام 2011.

وفي هذا الصدد، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2008، تجاوز نسبة بطالة الشباب لحاجز الـ 20 في المائة. وهو ما يعني بلغة الأرقام البسيطة أن أربعة شباب ذكور من بين عشرة وشابتين من بين عشر كانوا يتوفرون على شغل في عام 2008.
ويعزو خبراء منظمة العمل الدولية أسباب هذا الاستثناء الذي تعاني منه المنطقة العربية إلى ''تشتت واضح لفرص تشغيل الشباب في هذه المنطقة'' ويضيفون بأن ''النتيجة: هي تخلف حاد في الإمكانيات الإنتاجية لاقتصادات المنطقة''.

وفي سياق متصل أظهر التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية والخاص بعمالة الأطفال، اضطرار 215 مليون طفل حول العالم للعمل بدلا من الانتظام في مقاعد الدراسة والسعي لتحقيق مستقبل أفضل لهم ولمجتمعاتهم.

ونوه المدير العام للمنظمة خوان سومافيا في التقرير بأن استمرار عمل الأطفال تعد ''واحدة من أكبر مؤشرات فشل جهود التنمية''، معربا عن قلقه لتقديم التقرير صورة ممتزجة للإيجابيات والسلبيات عند رصد التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
وأكد ضرورة عدم تخلي العالم عن مسؤوليته نحو هذه المشكلة، حيث إن ''مكافحة عمالة الأطفال مسألة حياة أو موت''، داعيا إلى ضرورة ''إعادة تأكيد إيماننا بإمكانية وجود عالم خال من عمل الأطفال''.

وأشار سومافيا إلى المخاوف من ''تأثير تباطؤ الاقتصاد العالمي السلبي على تحقيق المزيد من التقدم نحو القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال مما يصعب التحدي المتمثل في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية''.

وطالب بعدم إمكانية اعتبار الانكماش الاقتصادي ذريعة لعدم التحرك وتقلص الطموح، بل علينا إتاحة الفرصة لتنفيذ تدابير السياسة العامة التي تعمل لتحقيق الانتعاش والتنمية المستدامة.

وأوضح سومافيا، أن بعض التقدم المنجز في مجال مكافحة عمل الأطفال ''يسير بصفة عامة بشكل غير متساوٍ أو شامل بما فيه الكفاية لبلوغ الأهداف الإنمائية إثر تباطؤ الوتيرة العالمية للحد من ارتفاع العمل بين الأطفال منذ عام 2006، بينما ارتفعت عمالة الأطفال بين الفتيان والشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 17 عاما''.

وأضاف أن التقرير السنوي حول عمل الأطفال يدعو إلى تحليل السياسات المتبعة لمكافحة تلك الظاهرة بالاعتماد على الأدلة لوجود العديد من الدول في حاجة إلى المساعدة في توسيع نطاق برامجها وتخصيص الموارد المالية اللازمة لدعم الجهود المبذولة والأهداف والبرامج الرامية إليها.

وبيَّن سومافيا أن التقدم في مكافحة عمل الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد توقف، معتبرا أنه ''أمر مخيب للآمال''، ولا سيما أن المنظمة حددت في تقريرها السابق ''إفريقيا كمنطقة تحتاج إلى اهتمام خاص''.

وذكر أن جانبا إيجابيا مُحرَزا في هذا المجال تمثل في انخفاض نسبة الفتيات المرغمات على العمل وبين الأطفال المضطرين للعمل في مجالات خطرة مثل المناجم وأعمال البناء أو الزراعة تحت ظروف مناخية صعبة، واصفا بـ ''إنجازات مهمة''. وبيَّن التقرير أن استمرار 115 مليون طفل من بين 215 مليونا يزاولون أعمالا خطرة، بينما مثل قطاع الزراعة المجال الأكبر في عمل الأطفال إلى جانب مجالات البناء والتعدين وصناعة الملابس الجاهزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي