الأمن المعلوماتي من ضرورات الأمن الوطني

العالم يزداد في اعتماده على المعلومات، فالاقتصاد لا يتحرك إلا على أساس ما هو متوافر من معلومات، والتجارة صارت تجارة إلكترونية، والأسواق صارت افتراضية والبيع والشراء فيها صار يتم عبر شاشات الكمبيوتر ومن على بعد، فكل شيء صار يحفظ كمعلومات، وقيمة الأشياء باتت لها علاقة كبيرة بما نملكه من معلومات عنها. فالمعلومات هي اليوم من أعظم الثروات وهي أيضا محل أطماع الآخرين من منافسين وأعداء ومجموعات تريد إلحاق الضرر بالمجتمع. فبقدر ما يزداد اعتمادنا على المعلومات تزداد الحاجة لحماية هذه المعلومات من الاختراق والاستخدام غير المشروع. والتطور في تكنولوجيا المعلومات يتيح الفرصة للمزيد من الاستفادة من المعلومات إلا أنه وفي الوقت نفسه يجعلنا أكثر عرضة للاختراق معلوماتيا. فالتوسع في تحويل الأشياء إلى معلومات لا يزيد فقط في إغراء الآخرين للوصول إليها، ولكن التطور التكنولوجي يسهل من الوصول إلى هذه المعلومات وبهذا تكون الحماية لهذه المعلومات ليست بالمطلب الثانوي، وإنما يجب أن تكون في صلب نظم المعلومات.
فلم يعد الأمن المعلوماتي مسألة تخص قطاعا معينا، فالكل يتزايد في اعتماده على المعلومات، وبالتالي فهي مسألة تهم الجميع وعلى الجميع أن يهتم بالمسألة، فالجريمة الإلكترونية وحسب التقديرات الأمريكية قد تضاعفت تقريبا أربع مرات في غضون سنوات قليلة، بل إن البعض كان يعتقد بأن الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم كله بدوله الكبيرة والصغيرة والغنية والفقيرة ستؤدي إلى انحسار أو تقلص الجريمة الإلكترونية إلا أن الأمر كان على خلاف المتوقع، فلقد ازدادت حالات الجريمة الإلكترونية بكل أشكالها وأنواعها، حتى إن الشركات والبنوك والمؤسسات المالية وغيرها قد زادت من مخصصاتها المالية لدعم وحماية أنظمتها المعلوماتية من أن تخترق وصارت تزيد من جهودها التوعوية لزبائنها وموظفيها لاتخاذ المزيد من الحيطة والحذر حفظا لمعلوماتهم الخاصة بهم. فهناك اقتناع بأن أمن المعلومات ما زال في حاجة إلى توعية، فالكثير من الشركات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص ما زالت تتردد في تخصيص جزء من استثماراتها لتدعيم أنظمة الحماية لمعلوماتها. فموضوع الحماية هو اليوم ليس فقط في حاجة إلى استثمارات بل المطلوب أن تكون الحماية مطروحة حتى في مراحل التخطيط لشراء واستخدام أنظمة المعلومات. وهناك حاجة للتوعية العامة، فعندما يكون المجتمع على وعي ودراية بأهمية المعلومات، فذلك سيكون له أثر وسيكون المجتمع أكثر حرصا وحذرا من أن يخترق معلوماتيا، وحملة التوعية العامة هذه تتطلب أولا وجود جهات مرجعية تسند إليها مهمة الأمن المعلوماتي. ومثل هذه المهمة تتطلب خبرات وقدرات تكنولوجية دائمة التطور، ومن الضروري أن تكون هذه الخبرات وطنية ومدربة وقادرة على أداء هذه المهمة.
هناك حاجة أخرى في هذا المجال وهي التشجيع لتأسيس شركات وطنية متخصصة في مجال الأمن المعلوماتي، فوجود مثل هذه الشركات يوفر الدعم التقني للشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتدعيم أنظمة الحماية فيها. واليوم هناك اقتناع قوي جدا بالجدوى الاقتصادية للاستثمار في مجال الأمن المعلوماتي لتزايد الحاجة إليه، وبالتالي، فإن وجود مثل هذه الشركات الوطنية فرصة لأبناء الوطن للتدريب والتأهيل واكتساب الخبرات في هذا المجال الحيوي. وبما أن الأمن المعلوماتي لم يعد قضية داخلية ولا هو شأن محلي، فإن وجود هذه الشركات يمكن المملكة من التعاون مع دول العالم لمحاربة الجريمة الإلكترونية وتتبع ما قد يحدث من اختراقات لأنظمة المعلومات. ففضاء المعلومات هو فضاء مفتوح وليس له أسوار أو جدران ولا توجد فيه حدود بالمعنى المتعارف عليه وكل شيء فيه متحرك ويبقى الاعتماد الرئيس على ما هو متاح من أنظمة حماية لحفظ الحيز المعلوماتي الخاص.
يبقى من المهم الإشارة إلى الجانب التنظيمي والتشريعي لأن بعض أنظمة الحماية في حاجة إلى سند قانوني وعملها يتطلب الكثير من الإجراءات التنظيمية، فهناك اليوم جهود دولية وعمل مشترك عالمي للخروج بصيغ قانونية عالمية في هذا المجال. فنحن في حاجة إلى جهات أو لجان يشترك فيها القطاعان الحكومي والخاص لدراسة هذه القوانين الدولية ومن ثم إعادة صياغتها بشكل قوانين محلية. فوجود نظام قانوني وتشريعي متكامل ومنسجم مع النظام القانوني الدولي هو ليس فقط يعزز من الأمن المعلوماتي بل يوفر المناخ المناسب للاستثمار في هذا المجال المهم.
أخيرا، إن من الأشياء التي تطمح إليها المملكة بناء مملكة المستقبل على أسس اقتصادية وعلمية وتكنولوجية متينة وهذا يعني أننا مقدمون على بناء مجتمع معرفي، فالتقدم في المستقبل هو الوصول إلى مثل هذا النوع من المجتمع وأمن هذا المجتمع يتمثل وبشكل رئيس في حماية قواعده وأنظمته المعلوماتية، وبالتالي، فالاستثمار في هذا المجال هو مساهمة في بناء ما تتطلبه التنمية من بنى تحتية معلوماتية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي