ترميم الطبقة الوسطى
لا أظن مواطناً يحمل رأساً بين كتفيه ومشاعر بين جنبيه ينسى نكبة الأسهم التي أكلت الأخضر واليابس، كما أكلت النار غابات روسيا الصنوبرية؟ وأصبح الناس بين منكوبٍ ومنكوبةٍ, وتحقق في الغالبية المثل القائل ''فلان وجه نكبة'' أي وجه فلسا, بل أكاد أجزم أن مشاعر الأسى والنكبة تحولت بفعل قوتها وعمقها إلى جينات وراثية تتوارثها الأجيال جينات سائدة ليس فيها متنح إطلاقاً, ولذا لعل وزارة الصحة تُدرج مرض (نكبة الأسهم) ضمن الأمراض التي يشملها فحص ما قبل الزواج، فلا يُزوج منكوبٌ بمنكوبةٍ حفاظاً على أجيالنا القادمة من جينات النكبة, ولا سيّما مع تعالي نبرة الحديث عن التنمية المستدامة.
إن تآكل الطبقة الوسطى والرمي بها نحو طبقة الهاوية نذيرٌ بتزايد رقعة الفقر والفقراء، وسيلقى هذا بظلاله بتزايد البطالة والجريمة، وتفشي المخدرات والدعارة، وبروز بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة.
وقديماً قالوا: ''الفقر منابت'' فكما هو الفقع منابت والخزامى والشيح منابت، فكذلك الفقر منابت، وهذا المثل كتلة متكاملة من التشاؤم، وخلاصته انظر في أصولك وأجدادك، فإن كانوا أهل فقر فلا تحلم بالغنى.
اعذروني قرائي الأعزاء إن أنا قلّبت المواجع وجددت الأحزان، ونكأت الجراح فبكم نتعزى، وبنا تتسلون.
ولولا كثرة الباكين حولي على (أسهمهم) لقتلت نفسي أترون هذه السنوات الأربع قد محت أخاديد الألم وحفريات النكبة في أعماقنا، وقضت على كوابيس اللون الأحمر التي ما فتئت (تفززنا) من لذيذ الكرى إن بقي في النوم لذة!
تلك النكبة التي لم يسلم منها ومن تداعياتها إلا لاعبو الكرة وعقودهم الاحترافية أو شعراء القلطة الذين باتوا ينافسون الطقاقات في أجور إحياء حفلاتهم, وربما انضم إلى هذه القائمة الدعاة الجدد، وهم دعاة القنوات الفضائية والدعوة المخملية - وأستثني بلا شك الفضلاء الصادقين منهم - وإن كان عدد منهم كانوا قد زهدونا في الدنيا وحطامها إبان فترة التسعينيات الميلادية، فلما تكشفت الأمور رأينا الزهد في حياتهم قصوراً مُشيدة، وفللاً فاخرة، وسيارات باذخة! ونحن فاغرون أفواهنا!
أعتذر إليكم مرة أخرى معاشر الفقراء عفواً معاشر القراء إن أنا سُحت مع هذه التباريح وذي الشوق القديم، وإن تسلى مشوقاً حين يلقى العاشقين، انسوا الماضي وانفضوا عنكم ذُل النكبة، وانظروا إلى المستقبل بإشراقة أمل وابتسامة تفاؤل، فثمة لكم عندي خبران ساران إن أنتم ربطتم بينهما، كما فعلت أنا فستخرجون، ولا شك بإكسير الحياة، وعلاج ما سبق من نكباتكم.
هذان الخبران كفيلان بالقضاء على معاناتكم الحالية والمستقبلية بما في ذلك غلاء الأراضي وسيطرت أساطينها على ما تبقى من الطبقة الوسطى حتى باتوا يملكون جزرا كاملة داخل مدينة الرياض، الذين ما فتئوا يرددون شعارهم السادي ''الأرض لا تأكل ولا تشرب'' لا والله إنها تأكل وتشرب من أقواتنا وأقوات أولادنا! أيها الفقراء ستنتقلون إلى طبقة البرجوازيين، وأنتم أيها البرجوازيون استعدوا للأرستقرطة!
أما الخبران أو الحدثان فالأولى فهو إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني، الذي فاجأنا أن عددنا فقط 18.7 مليون نسمة فحسب، وأن عدد المساكن لم يتجاوز 4.6 مسكن!
والحدث الأخير الذي يوازيه ويعاكسه في الاتجاه هو إعلان الخطة التنموية التاسعة بــ 1.4 تريليون ريال!
ألم أقل لكم دعونا من ذكريات النكبة! سترمم الطبقة الوسطى، والأيام دول.. تقبل الله صيامكم.