فيسبوك عربي بدعم من البنك الإسلامي للتنمية!
واحد من التحديات الكبيرة التي تواجه صناعة مواقع الإنترنت في العالم العربي تلك المنافسة غير العادلة مع المواقع العالمية والكبرى، التي استطاعت أن تجذب جمهورا عربيا ضخما، وهذا يشمل مواقع الشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو ومواقع البريد الإلكتروني والبحث, حتى أنظمة الموبايل الذكية الحديثة والتجارة الإلكترونية، وهي كلها منتجات تصنع في أمريكا ويتم تصديرها إلى العالم العربي لتصبح جزءا أساسيا من حياتنا اليوم.
في السابق كان من الصعب إقناع أحد، خاصة على المستوى الرسمي والحكومي، بأن هذه المواقع والمشاريع التكنولوجية ستسيطر على حياة الناس، وما زال الإقناع صعبا، لكن هناك الآن كم هائل من الأرقام والإحصاءات والدراسات التي تؤكد مجتمعة أن من يتحكم في هذه المشاريع سيتحكم في ثورة المعلومات، وأن ثورة المعلومات ستكون محور الاقتصاد العالمي خلال عقود الزمن القليلة المقبلة.
الحل الوحيد في نظري لمواجهة السيطرة الأمريكية هو نشوء شركات تكنولوجية عربية ضخمة تعمل على الصعيد المحلي على منافسة شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، وتحاول إيجاد نوع من التحكم العربي في ثورة المعلومات بما يخدم احتياجات الأجيال والأوطان العربية، وهو حل ليس بمبتكر، فهذا الحل يقع في صميم استراتيجيات دول مثل الصين, الهند, اليابان, الاتحاد الأوروبي, وفرنسا, حتى كندا، وهي تستثمر منذ أكثر من عشر سنين مليارات الدولارات في هذا الاتجاه، حتى أن دولة مثل الصين، عملت جاهدة على تطوير أنظمة برمجية بديلة لأنظمة ''ميكروسوفت''، واستطاعت فعليا القضاء على احتكار ''ميكروسوفت'' وغيرها برمجيات الإنترنت من خلال دعمها الضخم لأنظمة المصدر المفتوح Open Source المجانية، التي تقوم عليها ملايين المواقع حول العالم بما فيها موقع ''ياهو'' الشهير. كنت أيضا قد تحدثت في مقال سابق عن جهود دول آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية على دعم مواقع شبكات اجتماعية محلية مميزة لتمنع الاحتكار الكامل لـ ''فيسبوك'' و''تويتر'' لعالم الشبكات الاجتماعية, الذي يتوقع نموه بشكل هائل خلال الفترة المقبلة.
لكن كيف يستطيع العالم العربي تأسيس شركات تكنولوجية ضخمة إذا كانت سوقنا المحلية ما زالت صغيرة وغير قادرة على دعم هذه الشركات؟ الجواب في نظري هو أن تتلقى هذه الشركات الدعم غير الربحي، وهذا الدعم لا يفترض أن يأتي من حكومة عربية واحدة لهذه الشركات، لأن طاقاتنا التكنولوجية موزعة على مختلف دول العالم العربي، ولأن سوقنا مبعثرة، ولأن العالم العربي كله لا يتحمل الكثير من الشركات، وإنما الجواب في نظري أن تكون جهودا متضافرة بين الدول العربية والإسلامية، ولذا رشحت في عنوان هذا المقال البنك الإسلامي للتنمية، ولم أرشح غيره لأن المنظمات الإقليمية الأخرى مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أثبتت فشلها الكامل في دعم المشاريع الاقتصادية على مختلف أنواعها.
لعل ما يميز البنك الإسلامي للتنمية هو تنظيمه الداخلي القوي، وارتباطه بوزراء المالية في العالم الإسلامي، وإشراف المملكة عليه بشكل يهدف فقط إلى تحقيق أهداف هذا البنك، ومسيرة هائلة من الإنجازات، لكن البنك بقي خلال هذه العقود كلها يركز على المشاريع التنموية الأساسية، ومحاربة الفقر ودعم البنية التحتية في الدول الإسلامية، وهذه رسالة نبيلة ولا شك، لكن هذا ـــ في رأيي ـــ لا يكفي.
أظن أن على البنك الإسلامي للتنمية أن يخلق مساقا آخر لعمله يركز على التنمية التكنولوجية وعلى ثورة المعلومات وعلى صناعة عالم إسلامي وعربي أقوى، وقد يكون ذلك من خلال المساهمة في تأسيس منظمة إسلامية أو عربية تهدف بشكل خاص لتنمية الرقي التكنولوجي في العالم العربي على كل المستويات.
يؤلمني كثيرا ـــ كما يؤلم كثيرا من الناس ــــ ما نعيشه من ضعف على مستوى التكنولوجيا ومنصات الإعلام الجديد، وإذا كنا قد خسرنا المنافسة من قبل كعالم عربي على مستوى التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والطب وغيرهما، فإن الفرصة ما زالت متاحة لئلا نخسر على مستوى تقنيات المعلومات والبرمجيات وبناء المنصات الإعلامية الرقمية.
هذا المقال يمثل اقتراحا فقط، وربما كان لدى من يملكون صناعة القرار حلول أفضل وأكثر فاعلية، لكن الهدف في النهاية واضح وبسيط: عالم عربي وإسلامي مستقل ومتقدم تقنيا.
خاطرة سريعة: كتبت يوما في هذه الجريدة عن الحاجة إلى ثقافة تدعم حقوق الإنسان فأرسل لي الوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ يدعم فكرة المقال وأهمية حقوق الإنسان. رحل القصيبي، وبقيت الرسالة، وبقيت الأحلام التي حملها القصيبي لنهضة وطنه وأمته. كلنا يبكي القصيبي، لكن بعضنا يجب أن يتحمل مسؤولية تحويل أحلامه إلى حقيقة. رحمك الله أيها العظيم.