فلسفة الطبقية وجنون العقار

كنت قد تناولت في مقال ''ترميم الطبقة الوسطى'' أهمية تدارك ما يمكن تداركه من هذه الطبقة التي بالفعل تآكلت وتساقطت ولم يبق منها إلا اسمها قد عفت الأسهم رسمها وأكل غلاء العقارات ما بقي من لحمها وشحمها! إن بقي فيها شحمٌ أصلا!
وقد ظن بعض من لا يعرف سوى ''المطبق'' وعصير ''الطبقات'' أن في المقال دعوة إلى الطبقية قد أطبق سوء الظن على طبقات عقولهم!
ولهذا دعونا نشير إلى أن كثيرا من الظواهر والصفات الاجتماعية والفسيولوجية والسيكولوجية تخضع لقانون ''المنحنى الطبيعي'' أو الاعتدالي، ولتقريب الصورة، نقول المنحنى الطبيعي هو منحنى أشبه ما يكون بـ ''طعس'' مرتفع القمة، منخفض الارتفاع في الأطراف بشكل متساوٍ تقريبا، ولو أردنا نضرب بعض الأمثلة للتوضيح، ففي صفة الطول نجد أن أكثر الناس متوسطو الطول، بينما فارعو الطول والعمالقة قليل ''أقصى اليمين''، كما أن قِصار القامة والأقزام قليل ''أقصى اليسار''.
وفي الذكاء والقدرات العقلية نجد أن أكثر الناس متوسطو الذكاء، والعباقرة قلة، والمتخلفون عقليا قلة في الأطراف، وكذلك الحال في الأنثروبولوجي فإن الطبقة الوسطى هي الأكثر والأغنياء قلة وفي المقابل الفقراء قلة.
ولمزيد من التوضيح لهؤلاء، فإن أكثر الأسواق هي متوسطة البضاعة والأسعار، بينما أسواق الماركات العالمية و''الجاليري'' قلة في أقصى اليمين وحراج ابن قاسم وحراج ''الرخوم'' في حي السبالة في أقصى أقصى اليسار، هذا طبعا قبل أن تغزونا عابرات القارات والحيتان!
وللتوضيح وإزالة اللبس إنما سُمي حراج الرخوم في السبالة بهذا الاسم للضعف والفقر لا للرخامة التي هي ضد ''المراجل'' فلا يظن أحد أن قول الشاعر:
أشره على الطيب ويشره عليّه
ولا الرخوم رخوم ماشرة عليها
لكن من يدري ربما يأتي زمانٌ يدخل هذه السوق عالم الحيتان والأسواق عابرة القارات فتجد في شنغهاي وسان فرانسيسكو سلسلة أسواق ''الرخوم جاليري''.
وعلى ذكر المراجل فهي كذلك تخضع للمنحنى الاعتدالي فمتوسطو الطيب هم الأكثر، والكرماء النبلاء قلة كما أن ''الرخوم'' قلة، وهذا أمر مقرر حتى في تراثنا الثقافي، يقول المتنبي:
لو لا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتّالُ
ولو عاش المتنبي إلى عصر ''سوق الأسهم'' لقال:
السهم يفقر والتسييل قتّال ّ
وللرخمة في مورثنا الشعبي مرادفة أخرى هي ''اللاش'' وهي من العامي الفصيح أي ''ألا شيء''
يقول الشاعر الشعبي:
يوم إن ولد اللاش رزقه على أمـه
رزقي على اللي ميّت القشع يحييـه
بقي أن نشير إلى أنه قد ينقلب المنحنى الطبيعي فتتضخم الأطراف وتضمر المنطقة الوسطى منه، أي تتآكل الطبقة الوسطى وتزداد طبقة الفقراء أو اللاش كما وعمقا ويزاد الأغنياء غنىً، وهذا بالضبط ما تفعله الرأسمالية يزداد الفقير فقرا والغني غنىً، وهذا ما نشاهده في سوق العقارات وارتفاع مؤشرها بشكل جنوني، ولا سيما الأراضي في دولة تعد قارة بالنسبة إلى مساحتها!
فيا سماسرة الأراضي ويا دهاقنة المال أقنعونا واشرحوا لنا كيف وصل سعر المتر المربع السكني في الرياض إلى ألفي ريال وأكثر؟!
أم أن طبقة ''اللاش'' ليس لها حق النقاش!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي