لماذا سوق الأسهم؟

سؤال يطرح عادة عندما نري الاتجاه نحو إصدارات جديدة أو توسع من قبل الشركات في زيادة رأس المال، ويزيد السؤال تعقيدا عندما يكون الطرح بمستوي الطروحات الضخمة (كطرح أسهم شركة بتروبراس) والتي ينعكس تأثيرها على العالم أكثر من السوق المحلية فقط. النظرة السلبية لسوق الأسهم كوسيلة للحصول على التمويل ناجمة من تخوف البعض من تأثير ذلك في السيولة المتاحة للمستثمرين والمضاربين في التداول في السوق المحلية. المشكلة بالتالي تكمن في أن طرح أسهم جديدة عادة ما يعني أن السيولة التي تم جمعها من الطرح سيتم سحبها لصالح رأس المال في الشركة الجديدة وبالتالي سينقص حجم السيولة المتاحة في السوق للتداول وعادة ما يتطلب ذلك فترة حتى تستطيع السوق تعويض هذه السيولة. كما أن المتداولين ينظرون إلى جانب العرض فإصدار أسهم جديدة يعني زيادة العرض وبالتالي التأثير السلبي في السعر نظرا لأن الكمية المتوافرة ارتفعت وبالتالي تجبر المتداولين على تغير أنماطهم لفقدانهم السيطرة على الحجم المتوافر وهذا القول فيه بعض الصحة. حيث إن المضاربين عادة مايسيطرون على شركة محددة وعلى أسهمها وطرح شركات أخرى ربما يسهم في توسيع قاعدة السوق وتعميقها وبالتالي يضعف تركيز المتداولين على شركة محددة يرغب المضارب في رفع سعرها. ويستشهد أصحاب هذه النظرية بما حدث في السوق السعودية خلال العامين الماضيين وكثرة الاكتتابات وضعف السيولة فيها. وهي كلمة ربما ليس لها مستند قوي نظرا لأن السيولة في الأعوام الماضية سيولة غير حقيقية وإنما هي سيولة تدوير، بمعني أن المبالغ الداخلة في السوق منخفضة الحجم ولكن البيع والشراء المتتالي هو ما عكس حجم سيولة أكبر من الحجم الحقيقي في السوق وهي نظرية تحتاج إلى نوع من الدراسة.
ولكن يجب أن ننظر إلى الموضوع من أكثر من زاوية أهمها أن الشركات هنا عدة أنواع في طرحها للسوق، أما شركات جديدة والطرح حديث وبالتالي تعد فرصة للمستثمر ويتم سحب رأس المال من قبل الشركة لتمويل القيام بنشاطها الإنتاجي. وهناك شركات قائمة ويرغب ملاكها طرحها للاستفادة من مميزات وجودها في السوق والتي تتعدى الملكية الخاصة، وعادة ما تذهب السيولة هنا للملاك القدامى وبالتالي لا تخرج السيولة من السوق وتستمر فيها كأي عملية بيع وشراء في السوق نفسها فيما عدا زيادة العرض هنا، وإن كانت توفر فرصة للمضاربين نظرا لحظر التداول لفترة للملاك القدامى. وأخيرا الاكتتابات العالمية عابرة القارات نتيجة لحجمها وقلة عددها وجاذبيتها، وعادة ما تعني خروج السيولة من السوق المحلية للسوق العالمية أو إحدى الدول وهي تجربة عايشناها في السابق من خلال طفرة التداولات في بعض دول الخليج وذهاب المستثمر السعودي لها ومحاولته الاستفادة منها والتي لم تؤثر كثيرا في السوق المحلية وإن كانت من ضمن مجموعة من المتغيرات خلال تلك الفترة مما جعل التأثير الجماعي هو الفيصل. وحسب الطرح السابق نجد أن الاكتتابات لشركة حديثة أو لطروحات تعود للقطاع الإنتاجي هي التي ربما تسحب السيولة ولكنها لصالح نشاط إنتاجي حقيقي يعود على الاقتصاد المحلي بالنفع ويمثل نموا حقيقيا.
ويبقي السؤال: لماذا نتجه لسوق الأسهم على الرغم من أن تكلفته حسب علم التمويل أعلى من غيره؟ والإجابة تكمن في كونه طويل الأجل ومتطلبات التمويل تتطلب وجود نسبة مقبولة من المزيج التمويلي لتشجيع المصادر الأخرى للمساهمة (كفاية رأس المال) علاوة على ارتباطها باستمرارية المشروع وتكلفته. وبالنسبة للمساهم فرصة في مجال ربما يحقق عوائد استثمارية مقبولة وأرباحا موزعة تدعم النمط الاستهلاكي المستقبلي.
وعادة لا يوجد سبب وراء الطروحات الضخمة عابرة القارات سوى حاجة الشركات العملاقة إلى رأسمال إضافي من حقوق الملاك (الأسهم بنوعيها) لتمويل فرصة جذابة لديها بحيث لا تؤثر سلبا في هيكل رأس مالها كما حدث في البرازيل ويحدث في شركات أخرى نتيجة لمعيار كفاية رأس المال. وبالتالي لا يحكمها عامل زمني بقدر السابق، وعادة ما يهتم بهذا النوع من الاكتتابات المستثمر المؤسسي أكثر من الفرد العادي وبالتالي تجذب البنوك الاستثمارية وشركات التأمين وغيرها من المستثمرين المؤسساتية وكبار المستثمرين. ولو أخذنا السيولة على مستوى العالم وندرة الطروحات الضخمة لوجدنا أن تأثيرها عادة ما يكون منخفضا وليس بالشكل المتوقع. وبالتالي لن تستقطب كسابقتها أموالا كثيرة من المنطقة نظرا لحجم الدخول العالمي فيها وحجم السيولة المتوافرة عالميا. وعادة ما تكون الطروحات العملاقة في المشاريع الضخمة الرأسمالية (تحتاج إلى رأس مال كبير) ولعل قطاعات البتروكيماويات ومستقبلا الطاقة والمياه والأسمنت ستجذب إذا ما تركزت عالميا وخرجت من محيط الدول وسنشهد تركيزا قويا فيها. ولا يوجد مقياس محدد نستطيع من خلاله القول إن الاكتتابات سيكون لها الأثر السلبي في سيولة السوق وحجم السيولة الداخلة فيها نظرا لأن ذلك يعتمد على المتداولين وأنماط التداول واتجاهات المضاربين والاستراتيجيات المستخدمة. حيث لو استمر المضاربون في استراتيجياتهم لما تأثرت السيولة ولكن ربما الضغوط النفسية والنزاع الخفي مع السلطات المالية أثرت في استمرارهم في الاستراتيجيات القديمة علاوة على ارتفاع المنحنى التعليمي للمستثمر الصغير مما خفف من قدرة المضاربين على توجيه السوق وليس بسبب الاكتتابات. وأخيرا ساهمت الاكتتابات في تعميق السوق السعودية خلال الفترة الماضية ومن خلال الإجراءات الجديدة وحوكمة الشركات ساهمت في رفع كفاءته التشغيلية. وكبقية دول العالم لن يكون هناك تأثير كبير في السوق المحلية نظرا لأن الحصة التي يمكن أن تنالها السوق ستكون منخفضة هنا. ويتوقع أن تتكون كيانات ضخمة في السوق السعودية نتيجة للتوجه نحو الاندماج بسبب ظروف المنافسة العالمية وإن كانت سابقا قد وجهت سوق البتروكيماويات من خلال دخولها في معظم الشركات الجديدة وقادت اكتتاباتها، ولعل قطاع الطاقة إذا خففت الدول سيطرتها نظرا لأهميتها الاستراتيجية سينجم منها شركات عملاقة في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي