الحرم المكي .. جهود مشكورة .. لكن بإمكاننا أن نكون أفضل
أكرمني الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ بقضاء أيام وليالي ماتعة في جوار بيته الحرام، هناك تطور كبير وعمل جبار في المنطقة المركزية، لكني أعتقد، بل متيقن، بأن بإمكاننا أن نكون أفضل، ومؤمن بقدرتنا على التفوق على واقعنا بمراحل، ومن واجبنا جميعاً، وأقصد بجميعاً الأفراد والأسر والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من أعلى الهرم إلى أدناه، أن نعمل لتكون مكة بشكل عام ومنطقة الحرم بشكل خاص المكان النموذجي الأول على وجه الأرض من حيث التصميم والتنظيم والنظافة والبيئة، وهي جديرة بذلك، أليست بلد الله الحرام وبيته الحرام؟! أوليست أول بيت وضع للناس؟! أليست مهوى أفئدة المسلمين وقبلتهم؟! إن كل ما تفعله حكومتنا الرشيدة لهو عمل محمود، أسأل الله الأجر لكل من أسهم فيه بعمل أو جهد أو فكر أو وقت أو مال، وعلى رأس هؤلاء خادم الحرمين الشريفين، الذي صرح أكثر من مرة بأن كل ما نفعله في سبيل الحرمين الشريفين إنما هو واجب الدولة التي استأمنها الله على هذه الأرض المباركة.
لكن كالعادة ''الزين ما يكمل''، ورغم كل الجهود المبذولة في الحرم المكي إلا أن تجارب الزائرين والمعتمرين لها قيمتها النوعية، حيث إن منطلقها التجربة التي لا يمارسها عادة المسؤول ولا المستشارون، وسبق أن كتبت العديد من المقالات حول الحرم المكي أنتقد فيها أوضاعاً قائمة وأقترح حلولاً لها، وهنا لن أكرر أو على الأصح سأحاول ألا أكرر، وما سأسرده من ملاحظات ومقترحات هنا يلفه الطابع الشخصي الذي تشكل من خبرتي التراكمية التجريبية في منطقة الحرام، وهي ملاحظات مبتداها النصيحة ومنتهاها المشاركة المتواضعة وجهد المقل الباحث عن الأجر ـــ إن شاء الله.
ويمكن تلخيص أبرز الملاحظات فيما يلي:
1. الازدحام الشديد في الطواف معظم الأوقات من صلاة العصر إلى ما بعد شروق الشمس.
2. الحرارة الشديدة في الساحات والسطح، حتى في الليل، وغالبا ما تكون هذه الحرارة منبثقة من الأرضيات المخزنة للحرارة الشمسية طوال النهار.
3. البعد الشديد بين نقاط وصول السيارات وساحات الحرم ومبناه.
4. الازدحام الشديد في خروج المصلين من الحرم بعد الصلوات.
5. الازدحام الشديد عند السلالم الكهربائية.
6. تزاحم بعض مناطق الحرم وساحاته لحد التكدس، في الوقت الذي تخلو فيه بعض المناطق من المصلين.
7. افتراش كثير من المصلين الساحات والممرات غير المخصصة للصلاة، والمخصصة للخدمات العامة.
8. كثرة المتسولين من الرجال والنساء والأطفال بأسلوب جديد وهو التجول واقتناص الفرائس وإحراجهم باختلاق قصص إنسانية مؤثرة.
9. سوء التعامل مع المفقودين والتائهين، وجهالة رجال النظافة والأمن المؤقتين بمواقع التائهين وكيفية تنظيمهم.
10. نظافة الحرم هذا العام أقل مستوى من الأعوام السابقة، ويشمل ذلك ساحاته والمناطق المحيطة به.
11. الازدحام الشديد والفوضى المرورية في مداخل المنطقة المركزية، وصعوبة الوصول إلى الفنادق المحيطة بالحرم.
12. تنظيم العربات في المسعى والمطاف، مما أدى إلى وصول أسعار تأجير العربات إلى ما يقارب قيمة شرائها.
وفيما يلى أقدم بعض الحلول المقترحة ليس لإنهاء المشكلة المحددة، لكن للتخفيف منها قدر الإمكان، حيث إن التحسين في الحرم عملية إصلاحية ديناميكية يجب أن تكون مستمرة ومتتابعة. والحلول المقترحة نوعان، منها ما هو متعلق بالمكان، وهذه ـــ في رأيي ـــ هي الأسهل من حيث الحلول، أبرز الحلول المكانية مايلي:
• نصب مظلات متحركة في الساحات والأسطح، حيث إن الحرارة الشمسية المختزنة طوال النهار لا يحجب تأثيرها السجاد المفروض بل يحبسها حتى النهار التالي.
• تشغيل مكيفات صحراوية في الأسطح حول الجدارن المحيطة بالسطح، إضافة إلى نصب مراوح مكملة على الأعمدة والقبب.
• توسعة أبواب الحرم بشكل متناسب مع زيادة أعداد الضيوف، وتحويل الأبواب من الفتح للداخل (نظام الدرفتين) إلى الفتح للأعلى (نظام الكراجات).
• إخلاء الأدوار الأرضية للمباني المحيطة بالحرم (فنادق وغيرها) وضمها للساحات بحيث تكون مناطق مفتوحة للصلاة (وليس للنوم والافتراش) ويمكن تعويض ملاك هذه المباني بالسماح لهم ببناء أدوار إضافية بدلا منها.
• تلوين أسقف الحرم، بحيث تعرف كل منطقة داخل الحرم بلون معين.
• وضع أسهم أرضية داخل الحرم وفي الساحات توضع المسارات والطرق وإلى أين توصل.
• وضع مراكز استعلام (أكشاك) لمنطقة الحرم، ونشر اللوحات الإرشادية وخرائط منطقة الحرم داخله وخارجه.
• تجهيز موقع مناسب أو أكثر لمناطق تجمع التائهين والبحث عن المفقودين، ووضع لوحات للدلالة عليها.
• تشغيل سيارات كهربائية (عربات جولف) توصل إلى المسافات البعيدة من مواقف السيارات والساحات إلى مداخل الحرم بحيث يسمح لكبار السن والعاجزين فقط باستخدامها، وتحدد طرقات مخصصة لسيرها، وتعلن محطات الركوب والنزول بلوحات إرشادية واضحة.
النوع الثاني من الحلول المقترحة ــ وهو الأصعب ــ وهو ما يتعلق بإدارة الحرم والمناطق المحيطة به، وتغيير ثقافة العاملين والزوار والمصلين. ومن أبرز الحلول المقترحة في هذا المضمار ما يلي:
• تثقيف الزائرين ببرامج تلفزيونية وأفلام فيديو ومطبوعات تعد خصيصا لغرض بث الأخلاقيات، وقواعد سلوك التعامل في الحرم المكي الشريف، توضح المسموح والممنوع، والطرق والآليات والمواقع ... إلخ، توزع هذه الوسائل في أنحاء العالم بحيث تعرض للمعتمرين والزائرين في شركات الطوافة والسياحة الخارجية والطائرات القادمة إلى جدة والمدينة والحافلات القادمة من أنحاء المملكة، إضافة إلى العرض في القنوات المختلفة للتلفزيون السعودي.
• تفريغ صحن الطواف تماما من المصلين طوال أيام رمضان، وتركه للطائفين الذين لهم الأولوية في الطواف، إضافة إلى تفريغ الطواف للمعتمرين فقط من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، ما يؤكد الأفضلية لنسك الطواف في المكان لانفراد الحرم المكي به كما سبق ذكره في كتاب الله الكريم ''وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود'' 26 الحج.
• التدريب المكثف لرجال الأمن المؤقتين والعاملين الآخرين، لمعرفة منطقة الحرم من الداخل والخارج معرفة تامة للمساعدة على إرشاد الضيوف.
• طباعة خرائط صغيرة توضح الحرم تفصيليا من الداخل والخارج، وتوضح كيفية الوصول إلى المرافق المختلفة والمناطق المجاورة والعلامات الفارقة في الحرم أم المناطق المحيطة به (مماثلة لما هو موجود في المتاحف)، ويزود بها جميع العاملين في الحرم لدلالة الغير عند السؤال.
• تكثيف العمالة الخاصة بالنظافة وفرض المراقبة عليهم، خاصة من حيث تفرغهم للنظافة بدلا من ترقب أيدي المصلين استجداء للصدقات.
• توفير مركز لتأجير العربات اليدوية للراغبين في استئجارها (مثيل لمركز العربات الكهربائية المتميز الواقع في الدور الثاني قرب الصفا)، مع ضرورة أن يكون التأجير بمبالغ رمزية.
• منع إيقاف سيارات التحميل (الأجرة والكدادين) إلا في مواقف محددة حتى لو أبعدت عن الحرم، حيث إن هذه السيارات تقف في ثلاثة مسارات وتعطل السير في سبيل التفاوض مع المارة، ما يعطل الحركة في الشوارع المحيطة، في الوقت الذي لا يوجد فيه عدد كاف من رجال الأمن لتنظيم السير، حيث إن تكثيف رجال الأمن يتم داخل الساحات بينما يقل كثيرا في الطرق، وعدم التعامل بحزم مع هؤلاء السائقين يضاعف من مشكلة السير في المنطقة المركزية.
• تكثيف رجال التنظيم في الحرم والساحات والسطح والسلالم الكهربائية، واستخدام أسلوب التفويج لملء الفراغات داخل الحرم وفي الساحات والسطح باستخدام كاميرات الحرم ووسائل الاتصال الحديثة.
• المنع التام لأي افتراش أو صلاة في أماكن الخدمات العامة والممرات ومداخل الحرم لأي سبب كان، حتى لو تم المنع بالقوة.
• متابعة المتسولين والقبض عليهم واتخاذ اللازم نحوهم نظاما.
كل ما ذكر من ملاحظات أعلاه لا يقلل من الجهود المشكورة المباركة من العاملين في الموسم، نسأل الله لهم الأجر والمثوبة، لكنها عتبة في سبيل تعظيم شعائر الله وبيته الحرام.