الدولار .. هل يمكن أن تبقى الثقة مستمرة مستقبلا؟

في تقرير صدر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة أكد فيه ''أن الدولار لم يعد عملة موثوقاً بها وينبغي استبدالها بنظام أكثر استقراراً''، وفي هذه الأثناء يتجه العالم بسرعة نحو ''الشيخوخة'' مع بلوغ أكثر من ربع سكان الأرض 65 من أعمارهم بحلول عام 2050 وفقاً لتقارير أوردها موقع CNN. وتحدث الموقع عن أن استخدام الدولار في التجارة الدولية خضع تحت قيود متزايدة عندما وقع الاقتصاد الأمريكي في مصيدة الركود الاقتصادي، و''ثبت أن قيمته غير مستقرة، بخلاف ما هو مطلوب للعملة الاحتياطية'' بحسب التقرير. وكان العديد من دول العالم، وتحديداً في آسيا، قد لجأ إلى بناء احتياطي كبير من الدولار بوصفه عملة صعبة، ونتيجة لذلك، فقد فقدت هذه الأموال الكثير من قيمتها، وقلت قدرتها على استيراد السلع من الخارج.
ويدعم مسح اقتصادي واجتماعي عالمي عام 2010 اقتراحاً لطالما دافع عنه صندوق النقد الدولي بضرورة إنشاء نظام دولي معياري لتحويل السيولة النقدية. وبموجب الاقتراح، فإن الدول لن تكون مضطرة لشراء العملات الأجنبية، كما فعلت الصين مع الدولار الأمريكي منذ بعض الوقت، وبدلاً من ذلك، فإنها ستعمل على مراكمة حق طلب العملات الأجنبية، أو حق السحب الخاص من هذه العملات بدلاً من جمعها ومراكمتها لديها.
وسيحظى حق السحب الخاص SDR بدعم سلة من العملات، حيث يجعلها أقل عرضة لتلقي الضربات كتلك التي تتعرض لها العملات الأجنبية بين الحين والآخر. ونظراً لأن ''قيمة'' حق السحب الخاص تحظى بدعم صندوق النقد الدولي، فإن التغير في سعر صرف أي عملة أو قيمتها يمكن أن يصبح ''مضبوطاً''.
هذه المبادرات، التي تحظى بدعم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يقصد منها المساعدة في ضمان استقرار الأنظمة المالية والتجارية الدولية والتي ستسمح للدول الأقل نمواً بالمشاركة والتكامل في الاقتصاد العالمي. ويكشف المسح أن ''عدد الفقراء في العالم ممن يعيشون بأقل من 1.25 دولار، انخفض من 1.8 مليار نسمة عام 1990 إلى 1.4 مليار نسمة عام 2005، ولكن معظم هذا التطور حدث في الصين''.
أما في جنوبي الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، فقد ارتفع عدد الفقراء خلال الفترة نفسها، في حين أن فارق الدخل بين طبقات المجتمع في الدول ازداد كثيراً في أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، مع بعض الاستثناءات. ويتوقع المسح أن يرفع عدد سكان العالم في عام 2050 إلى تسعة مليارات نسمة، يتركز 85 في المائة منهم في الدول النامية، فيما ينبغي على الاقتصاد العالمي أن يحافظ على نظام يسمح لهم بـ ''العيش الكريم''. وبحلول عام 2050، سيكون عمر واحد من كل أربعة مواطنين في العالم المتقدم وواحد من كل سبعة مواطنين في الدول النامية فوق 65 عاماً، وتقتضي سرعة ''شيخوخة'' العالم العمل على إيجاد نظام تقاعد ورعاية صحية دائم لهؤلاء. وفي السياق ذاته أصدرت الأمم المتحدة تقريراً حول تأثير الانتعاش الاقتصادي في الأكثر فقرا في أنحاء العالم، أكد فيه أن الفقراء والمستضعفين يتحملون العبء الأكبر للتكيف مع الأزمة الاقتصادية. ويقيّم التقرير الذي حمل عنوان ''صوت المستضعفين'' تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في الفقراء والمشكلات الناجمة عنها ومنها البطالة وعدم القدرة على شراء الطعام المغذي والتكلفة العالية غير المتناسبة لتكيف الأطفال واليافعين والنساء مع الأزمة إضافة إلى تزايد التوترات داخل الأسر والمجتمعات فيما تحاول تغطية نفقاتها، وفق الأمم المتحدة. ووفقاً لما ورد في موقع CNN، فإن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حث قادة الدول الصناعية والدول النامية الكبرى للتركيز على التنمية والنمو الأخضر واحتياجات الفئات الضعيفة عند صنع السياسات وذلك بالنظر إلى ضعف الاقتصاد العالمي الراهن.
ويجتمع قادة مجموعة العشرين في تورنتو في كندا يومي 26 و27 من حزيران (يونيو) الجاري، ويأتي الاجتماع بعد القمة السنوية لمجموعة الثمانية وهي كندا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وألمانيا واليابان وإيطاليا.
وقال كي - مون في رسالة وجهها إلى قيادات مجموعة العشرين: ''إنني أحث على دعم المبادرات التي تعزز جهود الإنعاش والاستقرار الاقتصادي والبيئة النظيفة وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية''.
هذا ومن المقرر أن تعقد مجموعة العشرين قمة أخرى في تشرين الثاني (نوفمبر)، في سيئول.
وأشار إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وأسعار الغذاء والبضائع قد أسهم في زيادة الفقر والجوع والتوتر الاجتماعي، منوهاً: ''الآن وأكثر من أي وقت مضى، فإن الاستثمار في الفقراء ضروري لاسترداد المكاسب الإنمائية التي خسرناها بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية''.
وأضاف بان كي مون أن الإنعاش الاقتصادي يتقدم بخطى مختلفة في أنحاء العالم، ولا يزال هشا في معظم الدول، لذا فإن مقولة المقاس الواحد يصلح للجميع ليست قابلة للتطبيق في هذه الحالة''.
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من الحوافز المالية في العديد من الدول، إلا أن الأدلة تشير إلى أنها لم تستطع تلبية الاحتياجات الفورية للفقراء ولمعظم المستضعفين.
وقال روبرت أور، مساعد الأمين العام لتخطيط السياسات، ''إن التقرير يشير إلى أن الكثير من المعاناة تجري في الدول النامية، وفي الحقيقية وعلى الرغم من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية في عدد من الدول النامية إلا أن العديد من مواطني تلك الدول يعانون بصورة كبيرة''.
وكشف الخبير الاقتصادي السويسري، سيرجيو روسّي، أستاذ الاقتصاد والسياسة النقدية في جامعة فريبورغ السويسرية، أن المبادلات التجارية لدول الخليج مع أوروبا أوسع وأهم من معاملاتها مع الولايات المتحدة، مضيفا: ''ومادامت موارد صادراتها في أغلبها بالدولار، فإنها ستتضرر من تقلبات سعر صرف هذه العملة، لذلك فإن تنويع العملات التي يتم بها استخلاص هذه الموارد، حل لهذه المشكلة''. وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن من بين الحلول الأخرى لدول الخليج إيجاد عملة موحدة لتلك المنطقة، ووفقاً لروسّي، فإن الدولار بلغ حالياً أدنى مستوياته، وهو ما اعتبره مؤشراً على بداية انحدار العملة الأمريكية.
وقال روسّي، إن هناك ثلاثة أسباب وراء تراجع الدولار وخسارته 10 في المائة من قيمته أخيرا، فوزارة الخزانة الأمريكية أجرت تخفيضاً كبيراً في أسعار الفائدة ليصبح هدف الاحتياطي الفيدرالي الوصول بسعر الفائدة إلى ما بين 0 ـــ 0.25 في المائة، ما يعني أن الودائع بالدولار لم تعد تدر أرباحا ذات قيمة.
أما السبب الثاني، فهو أن الزيادة المعلن عنها في الضرائب لمواجهة العجز الكبير في ميزانية القطاع العام تدفع أصحاب رؤوس الأموال الأمريكيين على نقل ودائعهم إلى الخارج؛ ثم أخيراً، خطر التضخّم الذي يخيّم على البلاد، والذي ينال من جاذبية الدولار على الساحة العالمية. وأوضح سيرجيو روسّي أن الحكومة الأمريكية، وبهدف تخفيف وطأة الأزمة، ضخّت مليارات الدولارات في حسابات المصارف، لكن عندما تنقشع حالة الانكماش الاقتصادي، ستتحوّل هذه الأموال إلى سيولة في الأسواق، وسينشأ عنها تضخّم، الأمر الذي أدى لتعالي أصوات من داخل إدارة الخزانة (الأمريكية)، تطالب برفع أسعار الفائدة لقطع الطريق على ظاهرة التضخّم.
ويرى الخبير السويسري أن تراجع جاذبية الدولار قد يدفع المصارف المركزية إلى التخلّص من الدولار لمصلحة عملات أخرى، مشيراً إلى أن هذه المصرف ترغب بذلك، غير أنه لن تسمح لنفسها باتخاذ هذا الإجراء، موضحاً أن القيام بمثل هذه الخطوة الآن يعني انهياراً أكبر في سعر صرف الدولار، وبالتالي تراجع قيمة مدخراتها.
وأشار روسّي إلى أن سندات الدين الأمريكية التي كانت مربحة سابقاً لم تعد كذلك الآن، مستدلاً بذلك بالعرض الذي قدمته الخزانة الأمريكية قبل شهر لبيع سندات دين على المدى الطويل، ولم تجد بعضها من يشتريها، وهو الأمر الذي يعد سابقة.
وعبر الخبير السويسري عن خشيته من أنه، وبعد مرور الأزمة، قد يتحوّل المستثمرون للمراهنة على عملات أخرى، أو على بلدان أخرى، مما يعني بوضوح هبوط أكبر لسعر صرف الدولار، وبالتالي فإن العملة الخضراء ستبدأ بفقدان هيمنتها، لتتسلم مهمة الهيمنة عملة أخرى.
وحول العملة المرشحة لتكون بديلاً للدولار، قال روسّي إن البنك المركزي الأوروبي لا يرغب في أن يصبح اليورو العملة الرئيسة الجديدة في العالم، وكذلك لا تريد الصين أن يحتل الين الياباني مكان الدولار.
وأوضح أن استخدام عملة وطنية، كعملة مرجعية على الساحة الدولية ليس حلاً مستداماً، فهو قد ينقلب في نهاية المطاف ضد مصلحة الدولة صاحبة تلك العملة، مشيراً إلى أن ذلك ما حدث مع الجنيه الاسترليني، الذي تمت الاستعاضة عنه رسميا بالدولار عام 1944.
ودعا روسّي إلى إنشاء عملة دولية لتحل محل الدولار، وقال ''يجب أن تكون هناك الجرأة والشجاعة لإنشاء عملة دولية، يصدرها صندوق النقد الدولي، كما سبق أن أوصى بذلك ماينارد كاينز، في الأربعينيات من القرن الماضي''.
وأشار إلى أن فكرة ''سلة العملات المتنوعة'' كمرجع على الساحة المالية الدولية تلقى المزيد من القبول، غير أن الفترة الانتقالية لها ستستغرق من 10 إلى 15 سنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي