ظاهرة اتفاقيات التجارة الحرة
نرى صواب قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع التكتلات الدولية المختلفة، في ضوء عدم حدوث تقدم يذكر بالنسبة لجولة الدوحة لتحرير التجارة الدولية. وكانت جولة الدوحة قد انطلقت من العاصمة القطرية في نهاية عام 2001 بهدف تحرير التجارة العالمية وتعزيز الانفتاح الاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.
جولة الدوحة
لا تزال المفاوضات تراوح مكانها بسبب بعض الخلافات المستعصية بين الأطراف الرئيسة, وهي: الولايات المتحدة, الاتحاد الأوروبي, البرازيل, الهند, وأستراليا. تتمثل نقاط الخلاف الجوهرية حول قضيتين وتحديدا الدعم الأمريكي للقطاع الزراعي والضرائب الجمركية التي تفرضها بعض الدول النامية على الواردات الزراعية.
وكانت المملكة آخر دولة خليجية تنضم إلى المنظمة الدولية, حيث أصبحت عضوا في عام 2005 أملا منها في الحصول على مزايا من العضوية. واتخذت السلطات السعودية سلسلة إجراءات لغرض الحصول على العضوية بما فيها تحرير عديد من القطاعات أمام المنافسة الأجنبية, وفي مقدمتها قطاع الخدمات المالية.
إيجابيات كثيرة
في هذا الإطار نؤيد ما جاء في كتيب اتفاقيات التجارة الحرة, الذي أصدرته حديثا وزارة التجارة الخارجية في الإمارات بصواب الاتفاقيات التي تبرمها دول مجلس التعاون الخليجي. ومرد ذلك عدم وجود تعارض لاتفاقيات التجارة الحرة مع مبادئ منظمة التجارة العالمية.
من جملة الأمور، تسهم الاتفاقيات التي تبرمها دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أمور تدخل في صلب أهداف منظمة التجارة العالمية مثل إلغاء الرسوم الجمركية على السلع أو خفضها, الأمر الذي يساعد على تعزيز التجارة البينية أي الصادرات والواردات.
وتشمل الإيجابيات الأخرى إفساح المجال أمام الاستثمارات, وبالتالي الإسهام في حل بعض التحديات الاقتصادية, منها توفير فرص جديدة للعمل. فقد نجحت البحرين في استقطاب شركة كرافت الأمريكية لإنشاء مصنع لإنتاج مختلف منتجات الألبان بعد دخول اتفاقية التجارة مع أمريكا حيز التنفيذ في آب (أغسطس) من عام 2006. وتشمل إيجابيات تشييد المصنع إيجاد فرص عمل للمواطنين وتعزيز قيمة الصادرات البحرينية للخارج وتنشيط الدورة الاقتصادية عبر استثمار 40 مليون دولار لإنشاء الوحدة الصناعية. يشار إلى أن القوانين المعمول بها حاليا في مجلس التعاون الخليجي تحرم أعضاءها من الدخول في اتفاقيات ثنائية جديدة مع الأطراف الأخرى.
اتفاقيات خليجية
الجدير ذكره، أن دول مجلس التعاون الخليجي وقعت بصورة جماعية اتفاقية للتجارة الحرة مع سنغافورة في نهاية 2008. وتلت ذلك في منتصف 2009 اتفاقية أخرى للتجارة الحرة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية المعروفة اختصارا باسم (إيفتا), التي تضم كلا من سويسرا, النرويج, آيسلندا, وليختنشتاين.
كما وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية بالأحرف الأولى مع نيوزيلندا في نهاية 2009. ويلاحظ في هذا الصدد اندفاع نيوزيلندا لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة, وهذا ما تبين من الزيارة التي نفذها وزير التجارة النيوزيلندي تيم جروسر لبعض دول مجلس التعاون في وقت سابق من العام الجاري.
بل يمكن تفهم رغبة نيوزيلندا في إبرام اتفاقية نهائية مع المنظومة الخليجية. تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الست 983 مليار دولار مقابل 150 مليار حجم الاقتصاد النيوزيلندي. على الصعيد الدولي، يحتل الاقتصاد النيوزيلندي المرتبة 62 مقارنة بالمرتبة رقم 23 بالنسبة للاقتصاد السعودي.
عموما، يحسب لنيوزيلندا ممارستها سياسات نوعية تشمل إعفاء رعايا دول مجلس التعاون من سمات الدخول. وربما هذا يفسر جانبا من قدرة هذه البلاد على استقطاب طلاب من مجلس التعاون الخليجي رغم بعدها الجغرافي عن أغلبية دول العالم. وأصبحت نيوزيلندا من الوجهات التعليمية المفضلة لرعايا دول مجلس التعاون في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.
توجه عالمي
باتت مسألة اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية ظاهرة عالمية بالنظر للتعقيدات المرتبطة بالاتفاقيات متعددة الأطراف, فهناك اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك التي دخلت حيز التنفيذ مطلع 1994. وقد غطت هذه الاتفاقية المعروفة باسم (نفتا) على اتفاقية التجارة الخاصة بين الولايات المتحدة وكندا. وتبين لنا من خلال البحث أن لدى الولايات المتحدة اتفاقيات للتجارة الحرة مع 17 بلدا في العالم. بل يرغب عديد من الدول في إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة بغية الانفتاح على أكبر اقتصاد في العالم.
تتميز اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية بأنها أكثر صرامة من الاتفاقيات الجماعية. على سبيل المثال، طلبت الولايات المتحدة من البحرين تحسين بعض التشريعات كشرط لدخول الاتفاقية الثنائية حيز التنفيذ. وعليه وافقت البحرين على تطوير قانون يحمل اسم حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتضمن غرامات وجزاءات محددة للمخالفين. يتعلق الموضوع بوجود ضمانات لاحترام الحقوق المتعلقة ببرامج الكمبيوتر, فضلا عن أقراص سي دي والكتب, أي كل ما له علاقة بالإبداع الذهني.
ختاما من حق دول مجلس التعاون الخليجي إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع الأطراف الدولية سواء كانت دولا أو تكتلات تعزيزا لمصالحها الاقتصادية.