المسؤولية القانونية لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عن توازن سوقها

تعد سوق الاتصالات السعودية في مركز الصدارة لمنطقة الشرق الأوسط بما يزيد على نحو 40 مليون مشترك, أي ما يزيد على عدد سكان المملكة، وبعوائد تصل خلال الـ 12 شهراً من نهاية عام 2009 إلى 72 مليار ريال ــــ تقرير البنك الأهلي, إلا أنه رغم مضي سنوات على الترخيص لمنشأتين ما زالت السوق تعاني عدم كفاءة الأطراف العاملة، وما زالت أيضاً في حاجة إلى تحرير من الاحتكار والسيطرة.
في وقت ستبلغ فيه هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عقدها الأول، اختصت فيه بتطبيق القواعد التي تحكم مزودي خدمات الاتصالات، إلا أن السوق تعاني غيابا خجولا لمناخ يتسم بالمنافسة العادلة والفاعلة وتشجيعها في جميع مجالات الاتصالات, وهي أحد الأهداف التي نص عليها نظام الاتصالات, وجعل من مسؤولية الهيئة توفير خدمات اتصالات متطورة وكافية وبأسعار مناسبة.
نعم، هناك إيجابيات أنجزتها الهيئة، لكن هناك سلبيات أيضاً هي مناط البحث وهي الطاغية في مواجهة مأزق قد يخل باستقرار هذا القطاع الحيوي، ويثير تساؤلات حول مدى فاعلية الأحكام الخاصة بتنظيم المنافسة وحقيقة التنافس على تقاسم السيطرة المشروعة.
إن سوق الاتصالات لم تعد متواضعة كما كان عليه الحال قبل 30 سنة، معضلات الماضي مختلفة تماماً عن مشكلات الحاضر، هناك جهات دولية رقابية والتزامات تقع على المملكة في خدمات الاتصالات تفرضها عليها اتفاقية التجارة العالمية، وهيئة الاتصالات منوطة بها ومسؤولة عن تطبيقها.
قواعد قطاع الخدمات في منظمة التجارة العالمية هي من أكثر الوثائق تعقيداً لما تحتويه من أحكام مفصلة لمعالجة القضايا وفتح الأسواق المحلية لمقدمي الخدمات الأجانب تحت لواء النفاذ وتطبيق مبدأ المعاملة الوطنية, ومقتضى هذا الالتزام أن تمنح المملكة أفضل مزايا منحتها لمنشأة وطنية لأي مستثمر أجنبي، فضلاً عن أن مبدأ النفاذ التدريجي لسوق الاتصالات في المملكة قد بلغ حده الأعلى, ما يعني تخفيف القيود, بما يحرر خدمات الاتصالات من الاحتكار والسيطرة.
إن عدم تفعيل أحكام نظام الاتصالات على الوجه الصحيح أدى إلى تداعيات, منها تقييد حرية اختيار المستخدم للمنتج في السوق المحلية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من السوق العالمية, كما هو الحال والشأن في إلغاء الشبكة الواحدة للمشغل الثالث, وكذلك تكرار مشكلة نقل الرقم, وهو ما يعد إحدى الركائز الأساسية في جذب المشتركين، ومؤشرا للمنافسة بين مقدمي الخدمة. حيث ظهر ضعف غير مبرر في فرض القواعد والتدابير الخاصة بتفعيل خدمة نقل الرقم رغم إقرار لوائح لذلك، ما أدى إلى اختلال المراكز القانونية بين المشغلين، وتعزيز الاستحواذ على السوق، ما يخل بمبدأ المنافسة، ويفاقم تحجيم العمل في القطاع.
كما انعكس ذلك على التأثير المباشر في أداء شركات الاتصالات في سوق الأوراق المالية, وبدا ذلك واضحا في هبوط قيمة تداول سعر سهم أحد المشغلين بأقل من قيمة سعر الاكتتاب، في أمر نادر الحدوث لشركات الاتصالات في العالم, ما ضيق على المستهلك اختيار الأكثر كفاءة وجودة ونوعية وألحق به الخسارة.
كما أدى ذلك إلى بطء دخول خدمات الاتصالات السعودية إلى أسواق 148 دولة في منظمة التجارة العالمية تتمتع بمستويات تعريفة منخفضة، كان من المفترض أن تستفيد منها خزانة الدولة وكذلك المواطن.
عمان ارتفعت صادراتها بعد الانضمام إلى اتفاقية التجارة العالمية إلى 15 في المائة، الأردن إلى 17 في المائة, تشكل خدمات الاتصالات عاضدا لهذا الارتفاع، وهو ما يعكس الدور الفاعل لهذا القطاع ويثري الاقتصاد الوطني ويضاعف القيمة المضافة المحلية ويزيد من نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي ويعزز قدرته التنافسية على نحو من الاستمرارية، وهو ما تنشده المملكة من برنامجها الواسع للإصلاح الاقتصادي, الذي من أهدافه الاعتماد على حيوية ونشاط قطاع الاتصالات من خلال ضمان دور بارز له في تنمية الاقتصاد.
هناك تحولات شهدتها سوق الاتصالات السعودية لا بد من مقاربتها دراسة وبحثا دون أن تكون بمعزل عن مؤثراتها القانونية والاقتصادية، ليس من أجل محاباة جهة دون أخرى، لكن من أجل فهم أسباب اختلال المنافسة والعمل على وضعها في إطار لا تطغى نتائج السيطرة السلبية فيه على قدرة كيان.
ألا تستحق خزانة الدولة والمواطن والمقيم أن يتجاوز هذا الأمر القراءات العابرة إلى مستوى تشكيل لجنة لتقييم مسؤولية الهيئة عن تطبيق أحكام النظام وتفعيل الدور قبل أن يهدد ذلك سوق الاتصالات؟
وضع الاعتبارات الأساسية لصناعة الاتصالات في المملكة واقع ملح في ظل ما يواجهه من تحديات ليكون أكثر قدرة على مواجهة استحقاقات المستقبل، بما يفضي إلى صياغة تصور استراتيجي، فالواقع الحالي يحد ويئد المنافسة المشروعة.
ثمة بضعة إشكالات حول منهجية هيئة الاتصالات وقدرتها على تحقيق المنافسة وأهداف السوق، في ظل بيئة تحمل على زيادة درجة الانفتاح وتحرير الأسواق وبناء سوق اتصالات ضخمة، تقرأ المنجز وتحتفل بالمتحقق وتنقد سلبيات ما هو قائم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي