العمل الحكومي ومثلث برمودا

العمل الحكومي ومعاناته من مثلث برمودا المتمثل في ثلاثة أركان تعوق التطوير والعمل الجاد، هذه الأركان تتمثل في عدم العمل مما يقلل الأخطاء، ثم يمنع المحاسبة، هذه النظرية الإدارية التي يلجأ إليها العديد من العاملين في القطاع الحكومي، خصوصا من يتولون مسؤوليات قيادة العمل، سواء على رأس الهرم الإداري أو في مختلف إداراته وأقسامه، نظرية تنطلق من عدم العمل، إنما استغلال الوظيفة لأداء الأعمال الخاصة والتواصل مع الآخرين من أجل إنجاز المصالح الخاصة وترك تطوير العمل الحكومي في أقل مستوياته، بمعنى الحضور للعمل وعدم العمل، وعدم إثارة الآخرين من خلال كل يعمل دون حسيب أو رقيب.
إن نظرية مثلث برمودا للعمل الحكومي تتأكد عندما ننظر حولنا لمن تولوا مسؤوليات ومهام ولم يقوموا بها بغض النظر عن مواقعهم الإدارية ومسؤولياتهم الوظيفية وكيف أنهم لم يغيروا أو يتغيروا لسنوات طويلة، فكما جاؤوا للمنصب وعاشوا فيه سنوات عديدة تركوه كما هو دون تطوير أو تعديل أو تغيير، وتجد أغلبيتهم يبقى في تلك المسؤولية أو حولها مدة تزيد على 30 سنة عمله وخدمته وتطويره لا يتجاوز سنة واحدة مكررة وعندما نسأله لماذا تركن إلى الجمود وعدم التطوير؟.. يبرز لك نظرية مثلث برمودا للعمل الحكومي المتمثلة في أنه إذا عمل وطوَّر سيتصادم مع الآخرين ومصالحهم، وهذا العمل والتطوير ثم التصادم مع أصحاب المصالح الخاصة والنفوذ، سيؤدي إلى وجود بعض الأخطاء على أساس أن من يعمل لا بد أن يخطئ، وإذا أخطأ في ظل عدم وجود تقويم للأداء يسهل محاسبته ومعاقبته ثم إبعاده من الوظيفة التي هي مصدر رزقه وعلاقته ومصالحه ثم إن الإنسان الراغب في التطوير والإصلاح والتغيير لا بد أن يكون مكشوفا للآخرين؛ ما يعرضه للنقد ويجعله في مجهر الرقيب ثم المحاسبة، ولهذا ووفقا لنظرية مثلث برمودا لماذا الإزعاج والتعب والإرهاق إذا كان المسؤول غير محاسب على قلة العمل وسيكون محاسبا على كثرته؟ ثم لماذا فتح العيون على الوظيفة إذا كان يمكن العيش في ظل وكسب الرزق بكل الطرق دون حسيب أو رقيب؟
إن المتأمل في المنفذين لثقافة نظرية مثلث برمودا يكتشف سبب التأخر التنموي الذي نعيشه، ثم ما يؤدي إليه من فساد إداري ومالي وأخلاقي ينعكس بشكل مباشر على مقدرات وخير الوطن ويؤدي إلى تأخر التنمية ويضعف القوة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للوطن ككل ويزيد حجم التضجر والانزعاج المجتمعي الذي نرى ونسمع شكواه في حياتنا اليومية ونعيش معه في تفاعلاتنا الاجتماعية والعملية.
رحلة التنمية الحالية والمستقبلية التي تعيشها المملكة لا يمكن أن تنجح في ظل وجود نفوذ قوي ومتأصل لأصحاب نظرية مثلث برمودا؛ لأن هذا المثلث كما نعرف أن الداخل فيه مفقود، والمعنى أن كل مشاريعنا وما يخصص لها من أموال ستتبخر ولن نرى خيرها أبدا، كما أن المتميزين من الكفاءات السعودية المدربة والمستثمر فيها ستُغتال؛ حتى لا تتمكن من التغيير ومحاربة المثلث اللعين.
نظرية مثلث برمودا للإدارة الحكومية (لا تعمل حتى لا تخطئ ثم لا تحاسب) إذا لم نقف جميعا وقفة صادقة ضدها، ونعمل كفريق واحد للقضاء عليها ونعيد ترتيب بيتنا من الداخل بأنظمة إدارية ومالية ورقابية ومحاسبية واضحة وصريحة تضع النقاط على الحروف وتمنع التساهل والمجاملة والتراخي، تكرم العامل المطور وتحارب الفاسد والراكد وفقا لضوابط ومعايير شفافة وصادقة لا تجامل كبيرا ولا تعطف على صغير ولا تترك ثغرة إلا أغلقتها، فإننا ـــ مع الأسف الشديد ـــ سندفع الثمن غاليا وربما في ذلك الوقت العصيب لا نملك حتى الثمن الذي ندفعه؛ لأن القدرة على التطوير والتغيير وقتها ستكون ضعيفة ومتأخرة وعاجزة عن ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي