سيطرة الحكومة على الشركات هل تؤثر في المنافسة العادلة؟
نص نظام الشركات على أن لمجلس إدارة الشركة المساهمة أوسع السلطات في إدارة الشركة، وبالتالي فإن مجلس الإدارة يتمتع بمعظم الصلاحيات التي عادة ما تفوضها له الجمعية العامة.
تساؤلاتي حول هذا الموضوع عديدة فيما يلي أبرزها:
- هل مجالس الإدارات في شركاتنا المساهمة ناضجة بشكل مسؤول؟
- هل يتمتع أعضاء هذه المجالس بالاستقلالية الكاملة من حيث الشكل والموضوع؟
- هل تنطبق المادة 69 من نظام الشركات على واقع الشركات المساهمة، ونصها: ''لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية يحدد كل سنة ... إلخ، وعلى عضو مجلس الإدارة أن يبلغ المجلس بما له من مصلحة شخصية في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة ... إلخ''؟ وماذا عن المصلحة غير الشخصية, لكنها تصب في مصلحة الجهة التي يمثلها العضو؟
لا شك في أن الإجابات لن تكون قاطعة، فهناك شركات تنطبق عليها بعض هذه الاستفسارات تماما، وشركات تتفاوت في الإجابة بين الإيجاب والنفي، ولا شك أن القلة والقلة جدا هي التي تنطبق عليها المواصفات القياسية لمجالس الإدارة.
حسناً .. لنتأمل مشاركة أعضاء مجلس الإدارة الممثلين لحصة الحكومة في الشركات المساهمة، وهي الشركات الأكبر والأكثر تأثيرا في السوق من حيث الإيرادات والأرباح والنمو وكذلك الأصول؛ جميع هذه الشركات لها تعاملات مع جهات حكومية، سواء كانت هذه التعاملات مباشرة أو غير مباشرة، السؤال الذي أطرحه هنا: ما تأثير وجود أعضاء المجلس, بل ربما رئاسته, في الأوضاع التنافسية في السوق؟ وهل نتوقع أن تتمتع سوقنا بالمنافسة العادلة في وجود مثل هذه التشوهات في تركيبتها؟
للتوضيح أكثر فشركة مساهمتها حكومية عندما تطلب دعماً مالياً من صندوق الاستثمارات العامة سواء كان هذا الدعم على شكل قرض بفائدة أو قرض حسن، فهل نتوقع أن تعامل هذه الشركة بالمعاملة نفسها التي تعامل بها شركة أخرى مثل ''التصنيع''! أو لو طلبت شركة أخرى تسيطر عليها الحكومة قرضا من البنوك، فهل نتوقع أن تعاملها البنوك بالمعاملة نفسها, التي قد تعامل بها شركات أخرى؟ نظرياً سيقال إن المعاملة واحدة وعادلة, لكن على أرض الواقع سنجد المفارقات عجيبة.
من جانب آخر, تخضع الشركات إلى جهات رقابية وتشريعية متعددة؛ فهل نتوقع أن تتم معاملة الشركة التي تملك الحكومة فيها 70 في المائة مثل ما تعامل الشركة التي لا تملك الحكومة فيها ريالاً واحداً! أم سينطبق عليها'' أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب! نظرياً سيقال إن النظام على الجميع, لكن عملياً لن يحدث ذلك, فالأمر مختلف.
كما أن مستوى التمثيل في هذه المجالس يؤثر وبشكل كبير في ميزان المنافسة بين شركات القطاع الواحد في السوق، فهل نتوقع تطبيق العقوبات والأنظمة على شركات تملك الحكومة فيها الملكية الحاكمة، ويرأس مجالس إدارتها مسؤولون في مرتبة مساوية أو أعلى من مسؤولي الحكومة في الجهات الرقابية عليها! أيضاً ونظرياً سيقال إن المعاملة واحدة والنظام على الجميع لكن الحقيقة المرة تثبت خلاف ذلك.
هل نتوقع أن تكون المنافسة عادلة لخدمات ومنتجات الشركات التي تملك الحكومة فيها السيطرة مع الشركات الأخرى؟ نظرياً سيقال طبعاً وبكل تأكيد! لكن في الحقيقة أعرف شخصياً أن بعض الشركات التي تسيطر عليها الحكومة تستخدم أسطوانة ''سمننا في دقيقنا'' عند التسويق لخدماتها للكثير من الجهات الحكومية!
قد يتساءل متسائل: وهل يعقل ألا يتولى المالك الأكبر في الشركة والمسيطر عليها منصب رئيس مجلس الإدارة فضلاً عن أن يمثلها كعضو في المجلس؟! طبعاً مثل هذا لا يتصور ولا أعنيه ولا أظن أن القارئ يتوقعه مني، لكن ما أطالب به (وأرجو ألا يغضب ذلك ممثلي الحكومة في مجالس إدارات الشركات المساهمة) أن يتم اختيار أعضاء مستقلين كممثلين للجهات الحكومية، وأقترح أن يكونوا من المسؤولين الحكوميين المتقاعدين أو من العاملين في القطاع الخاص، وفي جميع الأحوال يجب ألا تكون هناك مزايا تفضيلية للشركة بسبب سيطرة الحكومة عليها، كما يجب أن تتم حماية السوق من أي ممارسات تخدش أخلاقيات المنافسة أو روحها التي قد تتم بسبب السيطرة الحكومية. وبالتالي هي خطوة في طريق العدالة والحوكمة والمنافسة النزيهة في السوق، التي ستصب لاحقاً في خانة مكاسب الاقتصاد الوطني.