إعادة الاعتبار للغة القرآن
كم كانت غضبة الأمير الأديب والمثقف خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، معبرة عن شعور أصيل وفهم عميق، حين انتقد اسم قاعة نادي مكة الثقافي الأجنبي، وهو ما دفعه لإصدار أمره بتنقية أسماء الأسواق والمحال التجارية والقاعات المختلفة في منطقة مكة المكرمة من الأسماء الأجنبية، وكتابة أسمائها باللغة العربية. وإذا كان هناك احتياج لوضعه باللغة الأجنبية، فيكون تحت الاسم العربي وبخط أصغر منه، وإعطائه مهلة ستة أشهر لاستعادة مدن المنطقة وجهها العربي، بعد أن زادت ظاهرة ما يسميه البعض التغريب اللغوي المفرط في الأسماء الأجنبية.
لقد بحت أصواتنا وجفت أحبار أقلامنا أنا وغيري من الغيورين على لغة القرآن ونحن ننبه ونحذر مما تتعرض له لغتنا العربية من إهمال وتهميش وإقصاء عن الاستخدام في كثير من تعاملاتنا، وهو ما يعكس حالا لا يسر، ومهدد لبقائها لغة حية مستخدمة بسبب هذا الإسراف في استخدام اللغة الإنجليزية حتى في أسماء الأسواق والمحال التجارية، ناهيك عن كونها باتت هي لغة المال والأعمال بدلا من لغتنا العربية، فأصبح إتقانها هو المؤهل الأول المطلوب في سوق العمل.
هذا الانجراف في التوسع باستخدام لغة أجنبية على حساب لغتنا الأم، كما هو حادث اليوم، وفي مجالات ليست مجالاتها وفيما لا لزوم له، سيؤدي مع الأيام لأن نصاب بداء ثنائية اللغة، بمعنى أن تكون لغة كالإنجليزية هي لغة العلم والمال والأعمال، وتنزوي اللغة العربية كلغة تخاطب دارج فقط. ويعكس واقع حالنا اللغوي اليوم وكنتيجة لهذا الإفراط في استخدام لغة أجنبية، أن حلت بعض الكلمات والأسماء الإنجليزية حتى في لغتنا المحكية محل كلمات وأسماء عربية صرفة، فاسم "سوق" حذف تماما من قاموس الأسواق، وحل مكانه اسم "مول" الإنجليزي، واسم "المقهى" بات استخدامه "بلدي" فاستعيض عنه بـ "كوفي شوب"، وقيسوا على ذلك كثيرا من الأسماء والعبارات، والتي مع مرور الأيام ستؤدي لاندثار كلمات وعبارات عربية من الاستخدام، ونحول فيه لغتنا العربية من لغة عربية صرفة ونقية، إلى خليط من لغات أجنبية وبقايا لغة عربية. والخطورة في ذلك أن الأجيال القادمة والتي ستكون حصيلتها اللغوية من هذه اللغة الهجين، لن تكون قادرة على فهم تراثها، وقراءة قرآنها، وفهم السنة، وتذوق أدبنا العربي، لكونها فقدت فهم وتذوق كثير من العبارات العربية نتيجة لعدم استخدامها.
وحكاية ظاهرة الأسماء الأجنبية التي تسري كما النار في الهشيم في أسواقنا ومحالنا التجارية وغيرها، هي الظاهرة الأبرز والأوضح في ذلك، فهي المسؤولة عن هذا الدفع لاستخدام اللغة الأجنبية، وإدخال مفرداتها بدلا من العربية، خصوصا فيما تطلقه على نفسها من سماء أجنبية لمجرد الفذلكة وإعطاء نفسها صفة عولمية ربما! وهي بذلك تسهم في محاولات تهميش وإهمال لغتنا العربية، والعمل على تدميرها من خلال اعتمادها على أسماء غير عربية فيما ليس من العلامة التجارية العالمية، بل تصل الطامة الكبرى في هذا الانجراف للأسماء غير العربية، بغرض إغراء الزبون، وهو ما قد يدخل في باب الغش التجاري، لاختيار اسم غير لائق ويتعارض مع أسس وهوية بلدنا كبلد عربي مسلم. وهذا ما هو حادث في مدينة حائل مثلا حيث سمي محل تجاري كبير، وفي واحد من أهم شوارعها التجارية باسم يطلق على إحدى رتب رجال الدين المسيحي، فهل وصل إغواء الأسماء الأجنبية إلى هذا الحد ؟! الأمر برسم الجهات المسؤولة.
نحن مع الأمير في غضبته على هذه الأسماء الأجنبية، وفي حميته للغة القرآن، وننتظر أن يمضي قدما في تصحيح هذا الوضع الشاذ في بلد مهبط الوحي ومنبع الرسالة ومعقل اللغة العربية، وأن يقود حملة إعادة الاعتبار للغة القرآن في بلد القرآن. وهذا لا يتعارض مع ضرورة تعلم اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية، ولكن لتستخدم في مكانها ومجالها، وليس كما هو حادث اليوم في ظاهرة طغيانها وكأن ليس لدينا لغة حية هي جزء أساسي من هويتنا. وهنا علينا التفريق بين تعلمها لتستخدم كلغة بينية للتخاطب مع العالم والتواصل معه، وبين إحلالها محل لغتنا الأم وجعلها هي لغة التعامل والتخاطب فيما بيننا، وكأن ليس لنا لغة حية منّ الله علينا بأن جعلها لغة القرآن، فطويناها في أدراج النسيان.