كيف جاء سوبرمان؟!
مع انتشار وسائل الإعلام والإعلان صار من السهل تناقل الأفكار والمعلومات عبر كل الوسائل المتاحة جماهيريا وإن كان أهمها وأقدمها الكتب. لكن خلطة الأفكار الأمريكية التي حملتها قائمة الأكثر مبيعا منذ أواسط القرن الماضي كانت مترافقة مع التطور الصناعي المتسارع الذي فرض كثيرا من المتغيرات على حياة الناس في تعاملهم مع الوقت والعائلة والمجتمع والآلة والرئيس في العمل. وكان لافتا أن تشتهر عناوين تروج للتنجيم والأبراج والبدع وتقوية فردية الإنسان وتحمله المسؤولية وكأنه كائن معزول. يشعر دائما بالقلق وبانعدام الثقة بالآخرين كما أنه لا يمكن أن يتلقى المساعدة من أحد وعليه تحمل أعباء حياته وحده. وقد تناولت دراسات التحليل النفسي تلك الأفكار التي مهدت لاحقا لظهور شخصيات مثل راعي البقر والخارج عن القانون والسوبرمان، إضافة إلى تبني كثير من الأفلام فكرة وجود أعداء يجب القضاء عليهم . وبجرد بسيط لتلك الشخصيات نرى أنها تشترك في مسألة أساسية وهي أنها شخصيات وحيدة تتمتع بمواصفات خارقة لا يمكن مجاراتها ولا إيجاد مثيل فعلي لها من الناس، كما أن تلك الشخصيات لا تريد أن تمتزج مع الآخرين من البشر.
ففي الوقت الذي تبدو فيه شخصيات بطولة الأفلام الأمريكية وكأنها جاءت من عالم آخر. إضافة إلى انعدام دوافع وجود تلك الشخصيات ومشاعرها والغرض من مواصفاتها الخارقة ''عدا عن إنقاذ العالم''. تذهب في المقابل الأفلام الأوروبية إلى منحى آخر يغوص أكثر في أعماق الشخصيات ومشاعرها ووضعها الاجتماعي فنرى الفرد في العمل ومع الأصدقاء والأقارب والمعارف والأسرة أثناء تناول العشاء. فالسياق الاجتماعي هو الذي يحدد الفردية، وبالتالي يصبح من السهل الوصول لدوافع الأبطال ومشاعرهم, باعتبار أنهم يشبهون مشاهديهم إلى حد كبير ولم يهبطوا عليهم من الكواكب البعيدة.
وتوصلت الدراسات إلى أن الأمريكيين الذين تعلموا أن الحرية هي المفاضلة بين الشفروليه وفورد وبين ماكدونالدز وبرجر كينج, وأنهم سيحققون قيمة فردية رفيعة من خلال الشراء أو التملك, وأنهم المستهلكون الأكثر بذخا في العالم .هو الأمر الذي جعلهم يستهلكون أنفسهم في الجري وراء الاستهلاك. كما باتوا يجدون حرية أكبر في رفض المجتمع وفي تدريب حلول فردية تتجنب الانخراط مع الآخرين. وصاروا مثل سوبرمانهم الذي يمضي بعيدا لا أحد يعرف إلى أين.