دروس من آسيا
يطيب لمحللي الشأن الاقتصادي أن يستشهدوا بالأزمة التي ضربت دول آسيا في تسعينيات القرن الماضي، في محاولة منهم لاتخاذ عبر تنفع في ظروف الأزمة الحالية, وإن كانت أهم الإشارات التي ترد حول كارثة النمور الآسيوية الاقتصادية، أن تلك البلدان قد تعرضت إلى ارتفاع في معدلات نموها استنادا للدخول المفرط لرؤوس الأموال، إضافة إلى استيراد كميات هائلة من البضائع فاقت كثيرا صادراتها، ما أدى إلى خلل كبير في التعامل التجاري من حيث ضخامة أرقام الواردات على حساب ما يتم تصديره. كما أن أهم الإشكاليات التي كانت تروج لها تلك البلدان الأجور المنخفضة لعمالها بهدف تشجيع الاستثمار الخارجي لفتح المصانع على أراضيها. وترافقت تلك العملية مع رفع لأسعار الفائدة، الأمر الذي أدى إلى اجتذاب رؤوس الأموال الطيارة. كما شهدت بلدان تلك الحقبة تطورا ملحوظا في التعاملات المضاربية، خصوصا في العقارات. واستدانت الشركات المالية والصناعية لتمويل المشاريع العملاقة .
ووافقت المصارف وبيوتات السمسرة المحلية على منح قروض كبيرة دون فرض أي ضمانات كافية على مدينيها. كل تلك الأمور جعلت من عملات تلك البلدان هدفا يسيرا لمضاربات الصناديق والمؤسسات المالية الكبرى التي اعتبرت أن العملات الآسيوية هشة بسبب عجز حكوماتها عن حماية حقوق وأموال الدائنين الكبار.
لكن ماليزيا تفردت في طريقة تعاطيها مع الأزمة، حيث إنها رفضت خطة الإنقاذ المقدمة من صندوق النقد، ولجأت إلى فرض رقابة صارمة على حركة رؤوس الأموال وأسعار الصرف، ومنعت منذ 1998 المصارف الماليزية من إقراض بنوك أو وكلاء غير مقيمين، وذلك لإلغاء حصول غير المقيمين على موجودات بعملتها أي ''الرينجيت''.
وفي إطار الحلول المبتكرة كان لماليزيا إنجازات صناعية لافتة من حيث إجبار مصانعها على استخدام كميات كبيرة من المواد المحلية لصنع سلع تستخدمها الأسواق الداخلية تحديدا. مع حماية المقاولين المحليين بمنحهم الأفضلية للنفاذ للسوق الوطنية، حيث إن الشراكة مع ميتسوبيشي كانت مشروطة باستخدام 80 في المائة من المكونات المصنعة داخل ماليزيا، الأمر الذي سهل للشركة السيطرة على 70 في المائة من سوق السيارات المحلية.