للجريمة أب.. والعقاب يتيم

الخلاصة المهمة والخطيرة التي تستخلص من آلاف الوثائق التي نشرها موقع ''ويكليكس'', وكشفت غطاء مستورها بعمل إعلامي مميز قناة ''الجزيرة'', تتركز في أمرين بينهما ترابط وثيق, الأمر الأول هو تأكيدها أن قوات الغزو والاحتلال الأمريكي والبريطاني ومعهما مليشيات وفرق موت الطابورالخامس القادم معها, وراء معظم جرائم القتل والسجن والتشريد والتعذيب الذي تعرض له مئات الألوف من العراقيين, فقد تحدثت الوثائق الأمريكية الأصل والمنشأ عن وقائع محددة ارتكبت فيها قوات الاحتلال كثيرا من تلك الجرائم, وكشفت دور ''فرق الموت'' الطائفية المقيتة في تصفية آلاف العراقيين على الهوية, ودورها في سجن وتعذيب وتشريد آلاف أخرى, وإشارتها الصريحة إلى ارتباط تلك الفرق المباشر بقيادات هذا الطابور الخامس الطائفي, وللتذكير هذه معلومات أمريكية وليست معلومات الحاقدين وحاسدي العراق على ''جنة '' الديمقراطية التي يعيشها بفضل الغزو والاحتلال!
الآمر الآخر الذي لا يقل أهمية هو أنها عرت تماما أكذوبة أريد لها أن تروج, وهي إلصاق تهم القتل والتفجيرات بتلك ''الأشباح'' التي كانوا يسمونها إرهابيي القاعدة وفلول الصداميين والبعثيين, وهذه الأكذوبة كانت صعبة التصديق في ظل وجود أكثر من 150 ألف جندي محتل بعتادهم المدمر وقدراته التقنية العالية, وإطلاق يد مليشيات طابورهم الخامس الطائفي للتسلط على العراقيين, وهذا استنتاج واقعي ومنطقي مبني أيضا على معلومات أمريكية.
السؤال الآن هو: لماذا قامت قوات الغزو والاحتلال وعناصر مليشيات القتل الطائفي بدور ''الأشباح'' المرتكبة للجرائم ضد الشعب العراقي؟, الجواب بسيط ويبطل العجب, ويكشف عن مخطط رهيب شيطاني أعد للعراق وللمنطقة, ويثبت أن الغزو والاحتلال لم يكن من أجل إهداء الشعب العراقي الديمقراطية والحرية بعد تحريره من الدكتاتورية, فارتكاب تلك الجرائم الإرهابية ذات النفس الطائفي تصب في مخطط تفتيت العراق وتقسيمه لدويلتين رئيسيتين شيعية في الجنوب وكردية في الشمال, وحصر السنة في مقاطعة صغيرة في الوسط, أما اختراع أشباح القاعدة والصداميين والبعثيين, فقد كان من أجل تشويه سمعة المقاومة, وإلصاق كل تلك الأعمال من قتل وتفجير بها, وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد, حجر يدفع لتمزيق لحمة العراق الوطنية, وحجر لتشويه المقاومة ونزع هذه الصفة منها.
القضية الآن هي ليست فيما كان, فالعراق تعرض لغزو هو القرصنة بعينها, واحتل عسكريا ودمرت كل مؤسسات الدولة وحلت محلها مؤسسات مليشيات طائفية في عودة لعهود الاستعمار, ولم يعترض لا مجتمع دولي امتنع أصلا عن منح الغزو والاحتلال غطاء, ولم تحتج عدالة دولية على هذا الفعل المجرم قانونا وشرعة فضلا أن تدين وتعاقب, أما الآن فالأمر اختلف, فالجريمة موثقة باعترافات صريحة لمرتكبيها, وهو ما يضع المجتمع الدولي وشرعيته وقوانينه ومؤسساته المختلفة على المحك الحقيقي للمصداقية والعدالة من ناحية, ويضع إدارة الرئيس أوباما أمام امتحان صعب وحقيقي هو الآخر لإثبات مصداقيتها للقيم الأخلاقية التي جاءت بها بشعار التغيير من ناحية أخرى.
لكن في ظل مجتمع دولي قائم على ازدواجية المعايير لا ينتظر منه تحقيق عدالة إنصاف وطن وشعب تعرضا لجرائم غزو واحتلال وتصفيات بالقتل واعتقالات في السجون وتعذيب وتشريد وتدمير لمكونات الدولة, فعندما تكون للجريمة أب قوي مهيمن له صولة وصولجان, سيبقى العقاب يتيم العدالة, خصوصا حينما يكون كل من الجريمة والعقاب محكومين بقانون غاب عصري السمة شرس الطباع, فنحن اليوم نعيش في ظل قانون القوة لا قوة القانون, ولهذا سيخرج مرتكب الجرم بريئا, ويطلب من العراق لحس جراحه ومداواة جروحه وعوضه على الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي