دول الخليج في تقرير «فريزر» حول الحرية الاقتصادية
يمكن الزعم بأن تقرير معهد فريزر الكندي لعام 2010 حول الحرية الاقتصادية في العالم العربي ليس منصفا حيال بعض دول مجلس التعاون الخليجي, فضلا عن معهد فريزر أسهمت كل من مؤسسة فريدرشن نومان الألمانية ومؤسسة البحوث الدولية, وهي جهة غير حكومية في عمان, في عملية إعداد التقرير.
من جملة الأمور المثيرة، احتفظت البحرين بالمركز الأول على المؤشر للعام السابع على التوالي. إضافة إلى ذلك، حلت كل من الكويت, عمان, وقطر في المراكز من الثالث إلى الخامس على التوالي. بيد أن الإمارات والسعودية تقاسمتا المركز السابع من بين 15 دولة عربية مشمولة في التقرير. بمعنى آخر، لا يوفر التقرير تقييما لأداء سبع دول عربية أخرى, أي نحو ثلث الدول الأعضاء في الجامعة العربية, وهي نسبة كبيرة, الأمر الذي ينال من شمولية البحث.
تقارب النقاط
من جملة السلبيات الأخرى للتقرير اعتماده على إحصاءات عام 2008 على الرغم من توافر أرقام عام 2009 على الأقل بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. ولا يمكن إنكار حقيقة حدوث تغييرات في الأداء الاقتصادي كإحدى تداعيات الأزمة المالية العالمية. فقد اضطرت الحكومة الاتحادية في أبو ظبي إلى التدخل لإنقاذ عدد من المؤسسات الاستثمارية التابعة لإمارة دبي بعد أن تبين في نهاية 2009 عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
كما لا يقدم التقرير تفسيرا مقنعا لمسألة تقارب كمية النقاط الممنوحة لأغلبية دول مجلس التعاون الخليجي. فقد جمعت البحرين ثماني نقاط من أصل عشر نقاط على مؤشر الحرية الاقتصادية في التقرير الأخير, ما يعني احتفاظها بالنتيجة السابقة نفسها. بدورها جمعت كل من الكويت وعمان وقطر 7.8 و7.5 و7.4 من النقاط على التوالي, كما حصلت كل من الإمارات والسعودية على 7.3 من النقاط.
5 معايير
من الناحية الإيجابية، يعتمد التقرير على 39 متغيرا موزعا على خمسة مجالات, هي: حجم الحكومة, القانون التجاري والاقتصادي وحماية حقوق الملكية, السياسة النقدية, التجارة الدولية, والإطار التنظيمي لكل من الائتمان والعمالة والنشاط التجاري. لكن تكمن المشكلة في صعوبة منح نقاط بصورة موضوعية للدول المشمولة في التقرير, وذلك بالنظر إلى محدودية الإحصاءات التي توفرها عدد غير قليل من الدول العربية.
لكن يؤخذ على التقرير عدم تضمنه إحصاءات حيوية للعديد من الحالات من قبيل نسبة استهلاك القطاع الحكومي من مجموع الاستهلاك العام لكل من قطر والسعودية. كما لا تتوافر أرقام تتعلق بحجم التحويلات والدعم الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فيما يخص الإمارات، مؤكدا، تنال تكرار حالات عدم توافر الأرقام من بعض الاستنتاجات النهائية للتقرير.
الانفتاح الاقتصادي
بيد أننا نتفق مع إشادة التقرير بانفتاح الاقتصادات الخليجية على التجارة العالمية على الرغم من تمتعها بثروات نفطية ربما تسمح لها بفرض نوع من الحماية. حقيقة القول، تشتهر دول مجلس التعاون بانفتاح اقتصاداتها على العالم الخارجي, بدليل تمتع أغلبية دول العالم بفائض في ميزانها التجاري مع الدول الست. ينطبق هذا بالضرورة على الاتحاد الأوروبي, الذي يتمتع بفائض يفوق 30 مليار دولار في تعامله التجاري مع المنظومة الخليجية. وربما هذا يفسر بشكل جزئي عدم استعداد الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقية للتجارة مع مجلس التعاون الخليجي.
وفشلت المفاوضات التي انطلقت قبل عقدين من الزمان في إحراز تقدم يذكر بسبب إصرار الجانب الأوروبي على الإتيان بأمور جديدة قبل الموافقة على التوقيع على إنشاء منطقة للتجارة الحرة. فقد أدخل الأوروبيون في بعض الفترات متغيرات جديدة مثل عدم إساءة استخدام البيئة وضرورة منح الأقليات الموجودة في دول الخليج حقوقهم.
بل تعد الحمائية التجارية من صفات بعض الاقتصادات الكبرى مثل الصين, التي بدورها تركز على الصادرات وليس الواردات لتحقيق أهدافها الاقتصادية مثل تعزيز فرص العمل لمواطنيها. وليس أدل على ذلك من تحقيق الصين فائضا قدره 20 مليار دولار في ميزانها التجاري في آب (أغسطس) الماضي, الأمر الذي فتح المجال أمام ما يعرف بحرب العملات.
عدم الإنصاف
في المحصلة، نعتقد جزما أن تقرير ''فريزر'' حول الحرية الاقتصادية لم ينصف بعض دول مجلس التعاون ربما بسبب المنهجية المتبعة والاعتماد بشكل أساسي على مصادر ثانوية بدل تنفيذ دراسات ميدانية. فليس من الصواب الزعم بأن اقتصاد الإمارات يحتل المرتبة الخامسة مكرر مع السعودية على مستوى دول مجلس التعاون. كما يؤخذ تقرير ''فريزر'' في الاعتبار نتائج بعض الدراسات الحديثة من قبيل تقرير مدركات الفساد لعام 2010, الذي صدر قبل فترة قصيرة بواسطة منظمة الشفافية الدولية. فقد احتلت قطر المرتبة رقم 19 على مستوى العالم, أي أفضل من ترتيب بريطانيا والولايات المتحدة. وربما لا يمكن إنكار وجود علاقة بين مستوى الشفافية والحرية الاقتصادية, وبالتالي فرص الحصول على عقود حكومية مقابل بعض المزايا. غير ذلك، حصلت قطر على المرتبة الرابعة خليجيا على مؤشر الحرية الاقتصادية لتقرير ''فريزر''.