60 ريالا مصروف جيب شهرياً!

حينما دخلت الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الاجتماعية لم تسعفني المعلومات الواردة فيه أن أعرف على وجه التحديد من هو المسؤول عن توفير الرعاية الاجتماعية لفئة المسنين. وأنا هنا لا أعني الرعاية العائلية وإنما الرعاية الاجتماعية، فالنظام الأساس للحكم ينص على أن الدولة تكفل حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية، ووزارة الشؤون الاجتماعية تطرح مفهوماً معيناً للرعاية الاجتماعية للمسنين.
وقبل الحديث باستفاضة عن فئة المسنين، اسمحوا من باب الإنصاف أن أشيد بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية تجاه الفئات المستحقة للضمان الاجتماعي، وسعيها الدؤوب إلى تحقيق أهداف الرعاية الاجتماعية بكامل مضامينها، وما كان للوزارة أن تصل إلى هذا المستوى إلا لأنها نالت اهتماماً خاصاً من لدن خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله - تمثّل بالدعم السخي والكبير والمتابعة الحثيثة التي يوليها لمستحقي الضمان الاجتماعي.
ولكن دور الوزارة فيما يخص الرعاية الاجتماعية للمسنين هو دور يحتاج إلى إعادة بلورة، فالخدمات المقدمة لهم ليست بالمستوى المأمول، وهذا ليس بسبب غياب الدعم عن هذه الفئة، بل بسبب المفهوم الذي يقوم عليه هذا الدعم، فالوزارة ترى أن رعاية المسنين في الدُور التي تُشرف عليها لا تكون إلا في حالة عدم وجود أقارب يعتنون بهم. ولذلك فإن مفهوم الرعاية لدى الوزارة يتجانس مع مفهوم رعاية الأقارب والأبناء، وأن رعاية المسن عن طريق دور الرعاية التي تشرف عليها الوزارة مع وجود ذويه أمر غير مقبول، فالرعاية الخاصة بالمُسن لا تتجاوز مفهوم الحق بأن يكون له مكان يعيش فيه، ومع أن هذه الفكرة يجب التأكيد عليها لأنها تتوافق مع مفاهيم الشريعة الإسلامية وما تربينا عليه من تواد وتعاطف وحث على البِر بالوالدين، إلا أن رعاية كل طرف لهذا المسن لا ينبغي أن تكون بديلة عن رعاية الطرف الآخر! فكلّ عليه جانب من المسؤولية.
ومهما بلغت رعاية الأبناء لآبائهم، فإن المُسن يحتاج إلى رعاية خاصة ومن جهة متخصصة تدرك احتياجات المسن من منظور اجتماعي وصحي ونفسي وسلوكي، فهذه لا يمكن توفيرها إلا من خلال الوزارة، مثل إنشاء ملتقيات اجتماعية للمسنين تعيد فيهم الإحساس بقيمة وجودهم في هذه الحياة أو مراكز للترفيه العلاجي لهم، وإنشاء منتجعات صحية واجتماعية لهم، إي ببساطة إنشاء مراكز رعاية متكاملة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، والتفكير كذلك في الترخيص لمراكز رعاية اجتماعية يقوم عليها القطاع الخاص، ودعم المُسنين المستفيدين منها عن طريق صندوق خاص برعاية المسنين، وإشراك شركات التأمين لتتولى على حساب الوزارة ضمان بعض جوانب الرعاية الصحية، وكذلك فتح الباب لمن أراد من أهل الخير أن يتبرع لمثل هذه المشاريع الإنسانية النبيلة.
ختاماً أتمنى من الوزارة أن تدرس مفهوم دُور الرعاية الاجتماعية في الغرب، وكيف أن هذه الرعاية تضاهي في برامجها وخدماتها ما تُقدمه مراكز الترفيه والفنادق الراقية. نعم لدينا رعاية صحية منزلية للمسنين عن طريق الوزارة، إلا أنه لا ينبغي التعامل مع المسن من مفهوم حاجته إلى الرعاية الصحية فقط، أو حاجته إلى السكن، بل من خلال مفهوم متكامل يأخذ في الاعتبار حاجة المسن إلى الإحساس بكرامته وليس كمتشرد يبحث عن سكن، أو أنه يُعامل ككائن منبوذ من مجتمعه، لأنه ليس له قريب يقوم على رعايته، أو أن تتفضل عليه الوزارة بمصروف جيب لا يتجاوز ستين ريالاً في الشهر لا يكفي لأن يُدفع كمقابل لمشوار سيارة أجرة فيما لو أراد هذا المُسن أن يغادر الدار ليشتري حاجيات خاصة له.
ومع علمي بأنه ينبغي النظر إلى حزمة ما يُقدم للمسن من مزايا وليس هذا المبلغ فقط، إلا أنني تمنيت لو أن الوزارة أزالت من موقعها الإلكتروني ذكر هذا المبلغ لأنه ببساطة لا يستحق الذكر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي