معاناة «لطيفة» .. رسالة إلى المسؤولين عن برامج الدعم
في محاضرة نظمتها لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، وشرفتني اللجنة بإدارتها، حيث كان يتحدث فيها سليمان المنديل عن تجربته المهنية الثرية، وأثناء المناقشات التي تبعت المحاضرة سحرت الحضور مداخلة مضحكة مبكية من إحدى سيدات الأعمال، فقد كانت مداخلتها الساخرة مضحكة في تراجيديتها، مبكية في واقعها، انتهت المحاضرة وكلمات ومعاناة ''لطيفة'' ترن في أذني، فبحثت عن هاتفها وبعد مكالمة مسترسلة طلبت منها تزويدي بمعاناتها فأرسلت لي تقول:
''سأحدثك عن تجربتي مع جهتين؛ معاناتي الأولى كانت مع صندوق التنمية الصناعي, التي بدأت عندما تقدمت بطلب لتمويل مشروعي عن طريق برنامج كفالة, الذي قدرت دراسة الجدوى رأسماله بمبلغ 1.6 مليون ريال فقط، وأثناء مكالمتي للصندوق أبلغوني بأن هناك اتفاقا مع بعض البنوك اتصلت بأحدها وحدد فيه المسؤولون موعدا للمقابلة الشخصية والاطلاع على دراسة الجدوى، بعد المقابلة مع المسؤولة عن قروض المشاريع انتهت الجلسة بتعشيمي بأنه سيتم قبول الطلب، اتصلت بي المسؤولة بعد يومين وطلبت مني أن أقدم حسابات مدققة للمشروع تم إرسالها لهم فور جاهزيتها، بعد يومين آخرين اتصلت بي المسؤولة وقالت سنرد عليك قريبا، فوجئت بعدها باتصال من المسؤولة ذاتها تطلب مني فيها تقديم ضمان عقاري أو مبالغ نقدية مساوية لمبلغ القرض حتى يمكنها مساعدتي على الحصول على موافقة البنك على التمويل! وكان هذا الطلب بمثابة صدمة لي لأنني لم أتوقع مثل هذا الطلب! ولو كان لدي عقار أو رصيد بنكي بقدر المبلغ الذي سيقرضونني إياه فلن أحتاج إلى التمويل! وقد كان هذا ردي على مسؤولة البنك، لذلك لم أفاجأ عندما أتى الرد بالرفض وعدم قبول الطلب.
بعدها, والكلام للطيفة, ذهبت إلى بنك آخر ضمن قائمة البنوك المتفقة مع الصندوق لتمويل برنامج ''كفالة'' لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أخذتني المسؤولة عن القروض واطلعت على دراسة الجدوى وقالت لي مشروعك جيد ولا أعتقد أن هناك أي معوقات ستواجهينها للحصول على التمويل، وأبلغتني بنيتها تحويل الطلب إلى المسؤول عن تمويل برنامج كفالة، وبعد أسبوع تلقيت اتصالا منهم يعيد الطلب البغيض وغير المنطقي نفسه (ألا يوجد لديك عقار أو رصيد في البنك؟)، وعندما أبلغتهم بأني لا أملك الضمانات التي يطلبونها تم رفض الطلب وأبلغوني بذلك رسمياً، فطلبت أن أكلم المسؤول الذي كرر رفض طلبي بعد أن حاججته بأن صندوق التنمية الصناعي يضمن لكم سداد القرض، وأبلغته باستعدادي لرهن مشروعي للبنك حتى يتم سداد المبلغ كاملا؟ وقبل أن ينهي مكالمته معي أسدي لي تلك النصيحة الذهبية التي لن أنساها ما حييت! حيث سكت لبضع ثوان ثم قال: والله يا أختي أنا أنصحك أن تبقي على مشروعك وتحاولين أن تكبرينه وتصبرين عليه! فهل يسمى هذا دعما؟ أي دعم هذا الذي تدعمه الحكومة للمشاريع الصغيرة؟
أما معاناتي الثانية فقد كانت مع صندوق الموارد البشرية وفيها لم يكن الصندوق عوناً بل معاناة، حيث إن التعامل مع الصندوق يشبه تعامل الدائن الذي يلاحق المدين لاسترجاع دينه، فعندما قمت بتعيين عاملات سعوديات مساهمة مني في تحقيق الأهداف الوطنية للسعودة، وقيامي بدوري في مكافحة البطالة، قمت بتعيين مجموعة من المواطنات ومن ثم تسجيلهن في التأمينات الاجتماعية براتب أربعة آلاف ريال، وكان من المفترض أن يتكفل الصندوق بنصف الراتب، وكان نظام الصندوق يطلب الحصول على صور الشيكات بعد الصرف للتحقق من تسلم السعوديات رواتبهن، وبعد إرسال صور الشيكات يتم رفع طلب الدعم للصندوق، وكنت أضطر إلى الانتظار مددا طويلة قد تصل إلى ستة أشهر دون تسلم الدعم، وعندما أذهب للاستفسار يأتيني الرد الجاهز بأن دوري لم يصل، وعندما أسأل عن أسباب التأخير يقوم القسم النسائي بالاستفسار من القسم الرجالي فيأتي الرد معلباً بأن هناك الآلاف من المنتظرين في الطابور وحالك حالهم!
انتهى كلام سيدة الأعمال ''لطيفة'' التي نقلت لكم بعض معاناتها التي وصلتني في رسالة طويلة، تشتكي فيها من سوء المعاملة التي تلقاها من الجهات الداعمة، وقد أوردت هنا مثالين لكنهما نموذج لما قد يحدث في مؤسسات أخرى.
معاناة ''لطيفة'' ــ مع الأسف ــ لا تختص بلطيفة فقط، فهذه الشكاوى والملاحظات يعانيها الشباب والكبار، والرجال والنساء، والمبتدئون وذوو الخبرة، فكيف نتوقع من قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة النهوض وهو يلاقي الإحباطات ويطلب منه تجاوز العقبات وتخطي المعوقات؟
لماذا لا تعامل هذه الجهات (مؤسسات وبرامج الدعم) مراجعيها معاملة العملاء (الزبائن)؟ فتهتم بهم وبقضاء حوائجهم وإرشادهم ومساندتهم وإيجاد الحلول لهم، ألا تعلم هذه المؤسسات أنه لولا هؤلاء المراجعون الذين يخدمونهم لما كانت لهم حاجة، بل كان من المفترض أن يسرحوا من أعمالهم، إن أسوأ وضع يواجهه المواطن حين يطالب بحقه الذي كفله له النظام ودعمه المسؤولون فلا يحصل عليه، ثم يضطر اضطراراً إلى تسول الخدمة والمنفعة التي هي أصلاً حق مشروع له.
إنني أتساءل: هل تقوم الجهات المشرعة والمنظمة والمسؤولة بمراقبة أداء جهات الدعم؟ والتحقق من أنها تقوم بدورها المطلوب على أفضل وجه، إنني أطالب الجهات المسؤولة عن أعمال جهات الدعم (صندوق الموارد البشرية، صندوق المئوية، بنك التسليف، الصندوق الخيري، برنامج كفالة.. إلخ) بأن تقوم بتعيين جهات مستقلة لتقييم أداء هذه المؤسسات والبرامج والتحقق من حسن الأداء والمساواة في التعامل والعدالة في الدعم مع المستفيدين، وأن يتم ذلك بتقييم الإنجاز من جهة، واستطلاع آراء المستفيدين والجمهور المستهدف من جهة أخرى، والقيام بدور العميل السري الذي يطلب الخدمة للتحقق من جودتها وإنجازها وفق اللوائح والأنظمة والأهداف التي أسست من أجلها هذه المؤسسات والبرامج.
وأخيراً .. وبحكم أنني مواطن سعودي فإنني أعتذر للسيدة ''لطيفة'' عن المعاناة ''غير اللطيفة'' التي تعرضت لها، وللعلم فأرقام اتصال السيدة لطيفة موجودة لدي فيما لو رغب أي من المسؤولين التواصل معها.