الحج رسالة الإسلام الكبرى

اليوم هو عيد الأضحى المبارك بعد يوم الوقفة المهيب العظيم في عرفات، وهي من أيام الإسلام الكبرى الجليلة المفعمة بالصور الإيمانية، ومنها صورة هذا التجمع البشري القادم من كل فجاج الأرض، ملبين دعوة الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ للناس بالحج، فاجتمعوا في صعيد واحد لا فرق فيه بين عربي وأعجمي، ولا أسود وأبيض، ولا فقير وغني إلا بالتقوى وحدها.
الحج مظاهرة إسلامية إيمانية يتحلل فيها المسلم من كل بهرج الدنيا ورفاهيتها ومتعها من ملبس ومأكل ومسكن في خضوع وخشوع لخالقه ـــ عز وجل ـــ وهو شاخص الفؤاد والجوارح له وحده دون غيره، يتراص فيه مع أخيه المسلم من كل لون وجنس وطبقة في مشهد جماعي مهيب لا مثيل له، مشهد يعكس قوة الإسلام الإيمانية الخالصة لله وحده لا شريك له، وهي قوة روحية تعبر عن معاني الطمأنينة والتآخي، لا تعدٍ فيها على شيء حتى الشجر والحيوان، ونبذ أدران الدنيا من أحقاد وكراهية وطبقية وعنصرية.
في هذه الأيام المجيدة من أيام الإسلام، والتي لا نريد أن تتحول إلى مجرد عادة تمارس بلا معني ولا شعور بقيمة رسالة الإسلام المتجددة، نسأله تعالى أن يعيدها على أمة الإسلام وقد استيقظت عزائمها، واستعادت عافيتها وهمتها؛ لتكون فعلا خير أمة أخرجت للناس بالقدوة الحسنة ونشر رسالة الإيمان والسلام ومكارم الأخلاق، وتنفض عنها هذا الخمول والخمود الذي أصابها فجعلها خارج الحسابات، لتستأنف دورها ورسالتها في عالم تراجعت فيه القيم والأخلاق، وسادت فيه الشهوات المادية واستقوى القوي على الضعيف، فاستدار إلى الخلف يسترجع فوضى الغاب وقانونها الوحيد، حيث تكون القوة هي ''الحق'' المنتزع انتزاعا خارج أطر أي قيم أخلاقية، بالرغم من شعارات الحرية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة التي تتصدر واجهته، والتي توظف فقط لتجميل هذا القبح الإنساني الذي عليه إنسانية القرن الـ 21.
فعالم اليوم بنظامه الجديد، بعد زوال نظام القطبين والمعسكرين، الذي كان يحقق قدرا من التوازن المعقول حفظ ـــ آنذاك ـــ حدا أدنى من سلام العالم، وبسبب سيطرة الأفكار المنغلقة ووجود بيئة صالحة لنموها وسيطرتها على صنع القرار، كما اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا واليمين الأشد تطرفا في الكيان الصهيوني، أعاد هذا النظام البشرية إلى عصر جاهلية مستنسخة في هذا التعدي الفاضح على حقوق الإنسان وسلامه وأمنه، وتم فيه إسقاط كل القيم الإنسانية التي جاءت بها الأديان جميعا، التي نظمت بالرسالة الخاتمة رسالة الإسلام، فسقط العالم في وحل المادة والاستهلاك ليصبح الإنسان هو ذاته سلعة، هذا العالم المتوحش أصبح في حاجة ماسة إلى رسالة إيمان وقيم وأخلاق تعيده إلى إنسانيته المفقودة، وليس هناك من يملك مثل هذه الرسالة غير دين الإسلام، الذي هو مدعو اليوم ليستأنف رسالته من جديد لإخراج الإنسانية من جاهليتها الجديدة كما أنقذها من جاهليتها السابقة، من عبادة المادة لعبادة الله، وإرساء قيم الحق والعدل والمساواة، ونبذ الظلم والاستعباد والعدوان والبغي، التي أصبحت هي قيم العالم اليوم بكل أسف، إلى درجة أن أصبح غزو واحتلال وتشريد وترويع الأوطان والشعوب في هذا القرن، القرن الـ 21، حدثا عاديا لا يثير حفيظة الضمائر ولا قوانين العدالة الدولية كما تدعي، فبات النظر إلى الجرائم ضد البلدان وشعوبها وسلب حقوقها بمعايير متباينة لا بمعيار واحد عادل، وشوهد ذلك جليا واضحا وفاضحا في دارفور السودانية حين جردت ما يسمى العدالة الدولية قوانينها ضد متهمين بارتكاب جرائم حرب مفترضة ليس عليها أدلة قاطعة، بينما هذه العدالة نفسها أصيبت وما زالت بالخرس والعمى والصمم حيال جرائم حرب وإبادة جماعية شاهدها القاصي والداني حية على الهواء مباشرة كما في فلسطين وآخرها في غزة، وفي أفغانستان، حيث أبيدت قرى مدنية بالكامل، وفي العراق، حيث أطلقت أيدي ساديين عبثوا بكرامة وإنسانية العراقيين، وتركت بلا عقاب ولا ملاحقات قانونية من قبل ''عدالة'' شرعية هذا العالم المدعاة.
نعم. الإسلام هو الدين القادر على إنقاذ البشرية من هذا المنزلق الذي تقودها إليه جاهلية القوة والمادة وأساطير التفوق وخرافات الإلهام السماوي، لكن هذا لن يكون إلا متى ما نقى المسلمون عقيدتهم من الانحرافات، وقدموا إسلامهم بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة والقدوة الحسنة، وليس بالجهاد التفجيري والتكفيري حتى لمن يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي