تعزيز الروابط التجارية الخليجية - الأفغانية
نرى صواب قرار شركة العربية للطيران بتسيير أربع رحلات أسبوعية منتظمة ما بين الشارقة وكابول ابتداء من 16 كانون الأول (ديسمبر) الجاري؛ لأنه يخدم هدف تعزيز الروابط التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي وأفغانستان. وعليه انضمت العربية للطيران إلى شركة فلاي دبي بتسيير رحلات منتظمة للعاصمة الأفغانية، الأمر الذي يؤكد اهتمام شركات الطيران الاقتصادية الخليجية بتطوير العلاقات التجارية ما يؤكد وجود سوق واعدة في أفغانستان.
مواد معدنية وهيدروكربونية
مؤكدا، لم يكن الكشف عن قرار العربية للطيران صدفة؛ كونه تزامن مع عقد المؤتمر الدولي الخاص بأفغانستان في دبي نهاية الأسبوع الماضي. وتبين من خلال الفعالية وجود فرص استثمارية ضخمة في هذه الجمهورية الإسلامية التي يعيش فيها نحو 30 مليون شخص جُلّهم من الشباب. يبلغ حجم القوى العاملة في أفغانستان أكثر من 15 مليون فرد، لكن الرقم مرشح للارتفاع؛ كون الشباب دون سن 15 عاما يشكلون فيما بينهم 44 في المائة من السكان.
وفي كل الأحوال، تشمل الفرص استخراج مواد معدنية وهيدروكربونية تقدر قيمتها بنحو ثلاثة آلاف مليار دولار، لكنها في حاجة إلى استثمارات استراتيجية طويلة الأمد. يعد الرقم ثلاثة آلاف مليار دولار كبيرا قياسا بحجم بعض الاقتصاديات الإقليمية من قبيل 400 مليار دولار و275 مليار دولار قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية والإمارات على التوالي. اللافت في هذا الأمر قيام شركات دولية مثل إم سي سي الصينية بالتنقيب عن المعادن في منجم للنحاس عبر عقد استئجار مدته 30 عاما. ويمكن تفهم التوجه الصيني لتأمين مصادر مستقبلية لها وهي تعمل على تحقيق المزيد من الإنجازات الاقتصادية لتلبية حاجات سكانها، الذين يزيد عددهم على مليار و300 مليون نسمة.
اللافت في هذا الموضوع هو قدرة الاستثمارات حتى ولو كانت محدودة بالتأثير على الواقع الاقتصادي الأفغاني لسبب جوهري، وهو محدودية حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي بلغ 27 مليار دولار، حسب معيار القوة الشرائية في عام 2009. بل يعد الرقم أقل بالنسبة إلى الأرقام الجارية بالنظر إلى محدودية أسعار بعض الخدمات في البلاد، خصوصا اليدوية منها. تبلغ نسبة البطالة في أفغانستان نحو 35 في المائة من القوى العاملة؛ ما يعني استعداد الكثيرين للعمل في وظائف حتى لو كانت تقدم رواتب متدنية نسبيا وظروف عمل غير مواتية.
استقطاب الاستثمارات الأجنبية
حقيقة القول، تحتاج أفغانستان إلى استثمارات دولية لمساعدتها في مواجهة التحديات الاقتصادية، التي تشمل تحقيق نمو اقتصادي قادر على إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. فحسب تقرير الاستثمار العالمي 2010، الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو الأونكتاد، تعاني أفغانستان صعوبات في استقطاب استثمارات - أجنبية مباشرة وهي التي بلغت 185 مليون دولار فقط في لعام 2009، ما يشكل تراجعا عن السنة السالفة عندما تم استقطاب استثمارات بقيمة 300 مليون دولار.
يعد هذا الرقم متدنيا قياسا بالاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي وقدرها 35.5 مليار دولار للسعودية و8.7 مليار دولار لقطر. وبنظرة أخرى، من شأن تخصيص جانب من استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي المغادرة وقدرها 20 مليار دولار المساهمة بإحداث تطورات إيجابية في التطورات الاقتصادية في أفغانستان. ويمكن اعتبار بعض النجاحات الحديثة دليلا على إمكانية تنفيذ أعمال تجارية في أفغانستان، وتشمل هذه الأمثلة قدرة شركة الاتصالات الإماراتية بإيجاد قاعدة لنحو ثلاثة ملايين مشترك بعد سنتين من دخول السوق الأفغانية.
قدرات القطاع الزراعي
من جملة الأمور، تمتلك أفغانستان القدرة على استقطاب استثمارات في مجال الزراعة؛ كون هذا القطاع يسهم بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن مصدر عمل لثلاثة أرباع القوى العاملة المحلية. تسهم مساحة البلاد وقدرها 652 ألف كيلومترمربع في ضمان توافر مناطق زراعية في مختلف أرجاء هذه البلاد المترامية الأطراف.
وفي كل الأحوال، تندرج مسألة الاستثمار في القطاع الزراعي الأفغاني في السياسة الاقتصادية لعدد من دول مجلس التعاون والتي تعمل على تأمين وتوسيع مصادر توريد المنتجات الزراعية، إذ إن هناك استثمارات خليجية في القطاع الزراعي في باكستان وهي دولة جارة لأفغانستان. وقد فرض موضوع سياسة الاستثمار الخليجي في القطاع الزراعي في الخارج نفسه بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية بقصد التكيف مع تداعيات تراجع قيمة الدولار الأمريكي والقيود التي تفرضها بعض الدول تصدير المنتجات الزراعية. ويلاحظ شبه عودة.
لا شك من شأن تحسين الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان عبر الاستثمارات الأجنبية الخليجية على وجه الخصوص المساهمة في تخفيف وطأة المعيشة، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 36 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وربما كانت المعضلة أكبر في الأرقام غير الرسمية.
ختاما، نرى أن الأمن الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي في أفغانستان امتداد للأمن في دول مجلس التعاون الخليجي لأسباب مختلفة تشمل الترابط الثقافي، خصوصا وحدة العقيدة، فضلا عن التركة التاريخية.